خلال الشهور الماضية، برز على منصات التواصل الاجتماعي ترند أطلق عليه اسم “الزوجة التقليدية”، أو Tradwife الذي يمزج بين كلمتي traditional (تقليدية) وwife (زوجة)، والمقصود بها مجموعة من النساء الغربيات الناشطات على الإنترنت واللائي يرين في “التخلي عن الوظيفة والبقاء في البيت لطهي الطعام وتنظيف المنزل ورعاية الأطفال وطاعة الزوج” أساس حياة أسرية سعيدة.
ويعتقد أن استخدام هذه الكلمة بدأ خلال العقد الماضي، ولكن السبب في انتشاره يعود إلى الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ولا سيما خلال العام المنقضي.
بعضهم يرى في هذا الترند مجرد اختيار حر من لدن بعض النساء لتكريس جل وقتهن للأسرة، في حين يحذر منه آخرون يرون أنه يتقاطع مع أفكار يمينية متشددة، ومن شأنه تقويض الحقوق التي حاربت النساء من أجل نيلها.
تقول إستيه ويليامز، وهي واحدة من “الزوجات التقليديات” المؤثرات على النت، في أحد المقاطع المصورة إن المصطلح يعني “سيدة تختار أن تعيش حياة تقليدية تكون فيها الأدوار الجندرية تقليدية للغاية، بحيث يخرج الرجل إلى العمل لإعالة أسرته، في حين تمكث المرأة في المنزل وتكون هي ربة البيت التي ترعاه وتعتنى بالأطفال”.
وتضيف أن “الزوجات التقليديات يعتقدن أن المرأة يجب أن تخضع لزوجها وتخدم زوجها وأسرتها، وهو ما يغضب كثيرين لأنهم يظنون أننا نقول إن المرأة أدنى من الرجل، وهذا ليس صحيحا، فالزوجات التقليديات يرين أن دورهن مختلف ولكنه لا يقل أهمية عن دور الرجل”.
تحتوي هذه الصفحة على محتوى من موقع Google YouTube. موافقتكم مطلوبة قبل عرض أي مواد لأنها قد تتضمن ملفات ارتباط (كوكيز) وغيرها من الأدوات التقنية. قد تفضلون الاطلاع على سياسة ملفات الارتباط الخاصة بموقع Google YouTube وسياسة الخصوصية قبل الموافقة. لعرض المحتوى، اختر “موافقة وإكمال”
تحذير: بي بي سي غير مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية المحتوى في موقع YouTube قد يتضمن إعلانات
نهاية YouTube مشاركة
لكن ويليامز لا تعبر عن رأي جميع الزوجات التقليديات. على سبيل المثال، صاحبة حساب Gwen the Milkmaid على تيك توك، تقول في أحد المقاطع المصورة المثيرة للجدل: “في رأيي الرجال يقومون بإعالتنا، ويجب أن نطيعهم لأنهم سادتنا”.
تؤكد ويليامز أن الزوجات التقليديات لا يقلن إن مكان كل امرأة هو المنزل، ولكنه مجرد اختيار. كما ترفض استخدام كلمة “حركة” لوصف الزوجات التقليديات، قائلة إنهن فقط يعرضن نمط حياتهن ولا يحاولن فرضه على الآخرين.
تقول الدكتورة فيرونيكا هوبنر مدرسة علم النفس بجامعة ماسي بنيوزيلندا وصوفيا سايكس الباحثة بالجامعة ذاتها، واللتان نشرتا أبحاثا مشتركة عن ظاهرة الزوجات التقليديات إنها تعتبر “مجموعة ثقافية فرعية، ولكن ربما كان من الملائم أيضا وصفها بأنها حركة. ولطالما كانت هناك نساء يعشن في إطار علاقات جندرية تقليدية، ولكنهن أصبحن الآن بالتأكيد أكثر شهرة بسبب وسائل التواصل الاجتماعي وما تحظى به المؤثرات اللاتي ينتمين إلى هذه الفئة”.
سمات مشتركة
هناك سمات مشتركة بين غالبية الزوجات التقليديات صانعات المحتوى على الإنترنت: الظهور بمظهر أنيق من خلال ارتداء ملابس منمقة (فساتين في معظم الأحيان) بعضها مستوحى من موضة أزياء خمسينيات القرن الماضي، وتسريحات شعر ومساحيق تجميل تبرز أنوثتهن، والتحدث بصوت هادئ.
غالبية المحتوى يبرز نمط حياة هؤلاء النساء، ولا سيما طهي الأطعمة والمخبوزات الشهية من الألف إلي الياء، وتنظيف المنزل والعناية بالأثاث وكي الملابس ورعاية الأطفال.
كما يتحدث العديد منهن عن معتقداتهن فيما يتعلق بالزواج وشكل العلاقة بين الزوجين، وكثيرا ما نسمع عبارات تؤكد على أهمية “خضوع” المرأة لزوجها وأنه هو “صاحب الكلمة الأخيرة” وهو من يتخذ القرارات المالية وتلك المتعلقة بتعليم الأطفال ومستقبلهم.
“الزوجات التقليديات” وحقوق المرأة
من المفارقة أن “الزوجات التقليديات” يرسمن صورة رومانسية للحقب التي كانت النساء فيها لا يملكن اختيار أوضاعهن، وينتقدن الحركات النسوية التي يرون أنها “جردت النساء من أنوثتهن وجعلتهن يرفضن أدوارهن التقليدية كزوجات وأمهات”، رغم أن تلك الحركات كان لها الفضل في أن أصبحت لديهن حرية اختيار نمط حياتهن.
في حوار مع موقع stylist.co.uk، قالت ديكسي أنديلين فورسايث صاحبة مشروع إعطاء دروس في “الأنوثة” للنساء حول أنحاء العالم إن حركة العودة إلى الأنوثة “في صعود لأن النساء ضقن ذرعا بالنسوية…نقول للنسويات: شكرا على السراويل، لكننا نرى الحياة بأسلوب مختلف”.
وردا على هذا التصريح، كتبت المحامية الأمريكية المدافعة عن حقوق المرأة الدكتورة آن أوليفاريوس على حسابها على منصة إكس: “ليست السراويل فحسب يا عزيزتي. ماذا عن الحساب المصرفي الذي يحمل اسمك، وحقوقك الانتخابية وتجريم اغتصاب الزوج وضربه لك. وهذه أمثلة قليلة فقط”.
يخشى منتقدو هذا التيار أن يؤدي إلى تقويض الحقوق التي كافحت المرأة لانتزاعها، والتي أشارت المحامية أوليفاريوس إلى بعضها، إذا ما استمرت شعبية هذه الظاهرة في الصعود. بل ويحذر بعضهم من أن تصبح النساء في وضع شبيه بذلك الذي تصوره رواية مارغريت أتوود الشهيرة The Handmaid’s Tale (قصة الخادمة) التي تنتمي إلى فئة “الدستوبيا” أو أدب ما بعد الكارثة، والتي تدور أحداثها في دكتاتورية “غيلياد” المتخيلة في الولايات المتحدة والتي تسلب النساء كافة حقوقهن وتجبرهن على العمل كخادمات وإنجاب أطفال من رجال الطبقة الحاكمة.
تقول الدكتورة كامبيون إن معتقدات هذه المجموعة “تضر بالتأكيد بالمجتمعات الليبرالية الديمقراطية التي تعد فيها المساواة، ولا سيما أمام القانون، مبدأ رئيسيا”.
تحتوي هذه الصفحة على محتوى من موقع Twitter. موافقتكم مطلوبة قبل عرض أي مواد لأنها قد تتضمن ملفات ارتباط (كوكيز) وغيرها من الأدوات التقنية. قد تفضلون الاطلاع على سياسة ملفات الارتباط الخاصة بموقع Twitter وسياسة الخصوصية قبل الموافقة. لعرض المحتوى، اختر “موافقة وإكمال”
تحذير: بي بي سي غير مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية
نهاية Twitter مشاركة
شعبية “الترند”
وعن سبب تنامي هذه الظاهرة على الإنترنت، تقول الدكتورة كامبيون إنه ربما يعود إلى “الطبيعة الشاعرية لذلك المحتوى وما يتضمنه من مناظر طبيعية خلابة وإضاءة مبهرة وصورة نمطية تقليدية للمرأة والرجل يفترض أن تعود إلى حقب زمنية كانت أكثر بساطة”.
أما هوبنر وسايكس فتريان أن “التحول إلى الأنوثة وأسلوب الحياة الذي يركز على الأسرة في المقام الأول هو رد فعل لحالة عدم اليقين المتنامية في عالم متغير باستمرار ومخيف في كثير من الأحيان”.
تشير العديد من الاستطلاعات والدراسات إلى أن النساء في الغرب لا زلن يتحملن النصيب الأكبر من الأعمال المنزلية، ولا سيما التنظيف والطهي، رغم كونهن سيدات عاملات. ويطلق علماء الاجتماع على هذه الظاهرة اسم “الدوام الثاني”، إذ تذهب السيدة إلى العمل ثم تتحمل غالبية المسؤوليات المنزلية ومهام رعاية الأطفال.
فلنتخيل سيدة تشعر بالإجهاد طوال الوقت، إذ تقوم بجميع الأعمال المنزلية وترعى الأطفال وتتعرض في الوقت ذاته للضغوط للنجاح في عملها. هل من الممكن أن تنجذب هذه السيدة إلى هذه الحياة التي تبدو “مثالية” والتي تصورها “الزوجات التقليديات” كرد فعل عكسي على صعوبة أوضاعها؟
“نعم”، هكذا أجابتني الدكتورة كامبيون، “أظن أن هذا ممكن، وهو من بين الأفكار التي تروج لها “الزوجات التقليديات”: أن المجتمع أجبر النساء على المشاركة في القوة العاملة وأنتج ظروفا يعد فيها الإنهاك الجسماني والعقلي والمشاحنات نتائج حتمية”.
كما أخبرتني هوبنر وسايكس أن محتوى كثير من “الزوجات التقليديات” الذي تتبعتاه “تحدث عن فكرة أن النسوية خذلتهن، وأنه من خلال اضطلاعهن بأدوار تقليدية، أصبح تقسيم الأعباء أكثر عدلا وقلل من التوتر بالنسبة لهن ولأسرهن بشكل عام”.
ترند مضاد
يلاحظ وجود محتوى على وسائل التواصل تشدد صانعاته – وبعضهن يصفن أنفسهن بالزوجات التقليديات السابقات – على أهمية عمل المرأة، لأنها في حال انفصالها عن زوجها ستجد نفسها بدون مصدر رزق.
على سبيل المثال، تروي “جيني” صاحبة حساب lifetaketwo على تطبيق تيك توك كيف تغيرت حياتها بعد طلاقها: بعد أن كانت تعيش في منزل فخم وترتدي ملابس باهظة الثمن وتسافر في رحلات سياحية حول العالم على مدى 24 عاما هي فترة زواجها، وجدت نفسها بلا مصدر رزق واضطرت للعمل في وظائف بدخل ضعيف سبعة أيام في الأسبوع لافتقارها إلى الخبرة.
تستغرب جيني أنها طوال حياتها الزوجية “لم يزعجني أبدا أن يكون أمني المالي مرتبطا بحب ذلك الرجل لي. لم أدرك أن حبه لي من عدمه، أن كوني جذابة أو مثيرة للإعجاب في نظره من عدمه هو ما يحدد إذا ما كان أطفالي سيجدون ما يسد رمقهم أم لا، ما إذا كنت أستطيع أن أشتري لنفسي كوبا من الحليب أو رغيفا من الخبز”.
تقاطع مع اليمين المتطرف
تقول هوبنر وسايكس لبي بي سي عربي إن حركة “الزوجات التقليديات” متجذرة بعمق في أيديولوجيات اليمين المختلفة.
وتضيف الباحثتان إنه رغم اختلاف الزوجات التقليديات اللاتي ينتمين إلى اليمين في طرق التعبير عن أيديولوجياتهن، “فإنهن يشتركن في التزامهن برفض تاريخ النسوية ومواقفها… وجدنا أن بعض الزوجات التقليديات يروجن لأفكار اليمين البديل وتفوق العرق الأبيض”.
أما الدكتورة كيرستي كامبيون المتخصصة في دراسات الأمن والإرهاب بجامعة تشارلز سترت الأسترالية والتي كتبت عن “الزوجات التقليديات” ضمن بحث تناول مشاركة النساء في تيار اليمين المتطرف، فتقول إن بعض الأبحاث أشارت إلى وجود شريحة من الزوجات التقليديات اللاتي يعتنقن أفكار اليسار أو”منظومة معتقدات أخرى غير سائدة”.
وتضيف أن مجموعة الزوجات التقليديات التي تنتسب إلى عقيدة أقصى اليمين “تعد صغيرة إلى حد ما لكنها في العادة نشطة للغاية. هذه المجموعة الفرعية تروج لعدد من المعتقدات مثل رفض النسوية والخضوع لسلطة الزوج، وعادة ما تعارض الهجرة وأي نهوض بالحريات المدنية (على سبيل المثال عندما يتعلق ذلك بمجتمع الميم عين) ويؤمنّ بنظريات المؤامرة الديمغرافية التي تزعم أن هناك مخططا للقضاء على العرق الأبيض.”
وقد أثار بعض الباحثين مخاوف إزاء “النساء التقليديات” اللاتي ينتمين إلى اليمين المتطرف لأنهن بحسب هؤلاء الباحثين يقدمن “وجها ناعما” لأفكار متطرفة مثيرة للفرقة في المجتمع أو ينشرن معلومات مضللة حول نظرية “الإحلال العظيم”، وهي نظرية شائعة بين تيار أقصى اليمين تزعم أن هناك مخططا لإحلال مهاجرين غير بيض محل السكان.
لكن بالطبع هذا لا ينطبق على جميع “الزوجات التقليديات”، فبعضهن يروجن فقط لنمط حياة ربة المنزل التي تمكث في البيت وترعى الأطفال.
صورة غير واقعية
من الانتقادات التي توجه “للزوجات التقليديات” هو أنهن يرسمن صورة غير واقعية في كثير من الأحيان. على سبيل المثال، غالبية هؤلاء الزوجات يرتدين ملابس أنيقة ويظهرن بكامل زينتهن طوال الوقت، حتى أثناء القيام بتنظيف المنزل أو طهي الطعام – وهو ما دفع بعضهم إلى تصوير فيديوهات ساخرة تحاكي تصرفاتهن أو طريقة كلامهن بشكل تهكمي.
كما أن بعضهن يعيش في منازل فاخرة تعطي انطباعا عن ثرائهن بالضرورة، ولذلك توفرت لديهن رفاهية عدم العمل، وهو بالطبع أمر ليس بمقدور العديد من الأسر التي لا يكفي دخل الزوج وحده لإعالتها.
فضلا عن ذلك، فإن وصف بعضهن لأنفسهن بأنهن ربات منزل يعتمدن تماما على دخل الزوج ليس دقيقا، فهن “مؤثرات” على وسائل التواصل الاجتماعي يحققن مكاسب مادية مما ينشرنه من محتوى.
تقول الدكتورة كامبيون: “عادة ما يرسم المحتوى الذي يقدمنه صورة رومانسية للأمومة والزواج، بل إن بعض “الزوجات التقليديات” اتهمن بـ”تقمص” هذه الشخصية فحسب، لأنهن يحصلن على دخل من منصاتهن. خلاصة الأمر هي أننا يجب أن ننظر بعين الشك إلى غالبية المحتوى الذي نشاهده على الإنترنت، إذ عادة ما يتم إنتاج ذلك المحتوى لأن هناك سوقا له، وليس لأنه ضروري أو حقيقي أو أصلي”.
تختلف الآراء حول ظاهرة “الزوجات التقليديات” وما إذا كانت مجرد ترند بريء على وسائل التواصل الاجتماعي، أم تيارا يهدد بتراجع حقوق النساء وضياع مكتسبات الحركة النسوية. ولكن الجدل الذي أفرزته هذه الظاهرة ألقى الضوء على ما تشعر به بعض النساء من غبن ومن خذلان من قبل مجتمعات يرين أنها منحتهن المزيد من الحقوق ولكنها حملتهن المزيد من الأعباء في المقابل.
اضف تعليقك