أعدت ليز دوسيت، كبيرة المراسلين الدوليين في بي بي سي، حلقة خاصة من بودكاست “بعد مرور عام”، تزامناً مع الذكرى السنوية لأحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، التي شهدت هجمات شنّتها حماس على بلدات في جنوب إسرائيل، ما أدى لحرب مدمّرة في غزة، وخلق أزمة رهائن غير مسبوقة، حيث غدت أسوأ وأخطر مرحلة تمر بها المنطقة.
استضافت الحلقة جيريمي بوين، المحرر الدولي لبي بي سي، وآنا فوستر، مراسلة بي بي سي في بيروت، ورشدي أبو العوف، مراسل بي بي سي في غزة، لمناقشة بداية الحرب وكيف تصاعدت في القطاع، فضلاً عن التوترات التي تفاقمت شهراً بعد شهر في جميع أنحاء المنطقة.
هذه هي الحرب بعد عام
في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، اخترق مقاتلو حماس الحاجز الأمني المشهور لإسرائيل واقتحموا بلدات جنوب إسرائيل، وبحلول نهاية اليوم، قُتل 1200 شخص، وأُخذ 251 إسرائيلياً وأجنبياً كرهائن، وكان يوماً غير مسبوق في ذاكرة إسرائيل.
بعد عام، لا يزال حوالي 100 رهينة محتجزين في غزة، وكثير منهم يخشى أنهم قد قُتلوا، وأصبحت غزة الآن في حالة دمار.
تقول الأمم المتحدة إن أكثر من 41,000 فلسطيني قد قُتلوا، معظمهم من النساء والأطفال، العنف والمعاناة انتشرت إلى الضفة الغربية المحتلة وعبر المنطقة، وتصاعدت في الأسابيع الأخيرة إلى غزو إسرائيلي للبنان وتزايد التوتر بين الخصمين اللدودين، إسرائيل وإيران.
سألت ليز، جيريمي بوين، المحرر الدولي لبي بي سي، إن كان قد تخيل يوماً أن يؤول الأمر إلى ما هو عليه اليوم.
وقال جيريمي: “لا، لم أتخيل ذلك، كنت أعتقد أن إسرائيل ستتعامل بسرعة مع حماس كقوة عسكرية، وحين تنتهي من الضرر بالشكل الذي تعتقد أنه مناسب، سيتدخل الأمريكيون والمصريون والقطريون ربما، للتأكد من تحقيق وقف لإطلاق النار، كما كان الحال في الحروب السابقة بين حماس وإسرائيل، لكن هذه المرة كانت مختلفة، عدد الضحايا الإسرائيليين الهائل هو ما أشعلها”.
وأضاف: “منذ ذلك الحين، تحقق الكابوس الذي كان الناس يخافون حدوثه، وهو اتساع رقعة الحرب، ولسنوات خلت، كان المحللون والصحفيون والسياسيون يقولون إن المنطقة على شفا الهاوية، أعتقد أنها تجاوزتها الآن بالفعل، والسؤال هو إلى أين نتجه، ومدى خطورة هذه اللحظة، سأقول، إنها خطيرة للغاية”.
وأشارت ليز إلى المقابلة الأولى التي أجراها جيريمي حين وصل إلى سديروت (جنوب إسرائيل) في أكتوبر/تشرين الأول مع عمدة المدينة وسأله إن كانت العملية العسكرية ستكون مشابهة للحروب السابقة، وقال حينها إنها ستكون مختلفة، لأن الإسرائيليين لن يرضخوا لمطالب القادة الأمريكيين والبريطانيين وغيرهم بوقف إطلاق النار بسبب عدد القتلى الكبير.
وأوضح جيريمي أن التعقيدات اليوم حاضرة، وأهمها أهداف الحرب المرتبطة بالنصر الكامل على حماس وإزالتها كقوة سياسية وعسكرية، مبيناً أنه يمكن تدمير حماس كقوة عسكرية، لكن سياسياً، الأمر مختلف، لأن الكثير من الناس في غزة وفي الضفة الغربية يدعمون حماس.
وأضاف أن الاستطلاعات كذلك، تظهر أن الكثير يدعمون الفكرة التي تتبناها حماس والمرتبطة بالقناعة الدينية القوية بأن الأرض للمسلمين، مشيراً إلى أن التاريخ أظهر مرات لا تحصى أن تغيير عقول الناس باستخدام فوهة البندقية لا يمكن أن ينجح، “يمكنك قتلهم، لكنك لن توقف تفكيرهم”.
وبيّن جيريمي أن من بين التعقيدات، تلك المرتبطة باتهام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه يطيل الحرب ليس لضرورة عسكرية، ولكن لأسباب سياسية خاصة به، إذ أن الرئيس جو بايدن نفسه، أعظم صديق لإسرائيل، قال شيئاً مشابهاً جداً، وجوهر هذا الجدل هو أن نتنياهو يعتمد على القوميين المتطرفين الذين قالوا إنه إذا أوقف الحرب، فإنهم سيطيحون بحكومته، ثم سيخسر السلطة.
وتابع جيريمي أن نتنياهو إذا ما خسر السلطة فإنه سيجد نفسه مجدداً في المحكمة ويواجه تهم فساد خطيرة جداً، والتي قد تنتهي بحكم بالسجن.
“نقطة تحول في تاريخ هذا الصراع”
أما رشدي أبو العوف، وهو مراسل بي بي سي في غزة، فقد كان في المدينة ذلك اليوم، سألته ليز، عمّ كان يُفكّر في صبيحة السابع من أكتوبر/تشرين الأول حين بدأت ملامح الهجوم؟.
قال أبو العوف: “كنا نحاول بدء صباحنا كالمعتاد، نرسل الأطفال إلى المدرسة لكن فجأة رأينا الصواريخ تتطاير في كل مكان، وما خطر على بالي في تلك اللحظة أن إسرائيل ربما قتلت قائداً كبيراً في حماس أو الجهاد الإسلامي وهم يردون، ولكن أدركت بعدها بوقت قصير أن شيئاً كبيراً حقاً يحدث، عندما بدأنا نرى مقاتلي حماس يخترقون السياج ويدخلون، أدركنا منذ تلك اللحظة أن هذه نقطة تحول في تاريخ هذا الصراع”.
يقول أبو العوف: “لم يحدث هذا من قبل”، ويستدرك: “ركبت سيارتي على الفور وذهبت إلى المكتب وبدأت أخطط للأسوأ، ولكن على المستوى الشخصي كنت أنصح زوجتي بمغادرة غزة فوراً وقلت لها إن هذه فرصة عليك أن تستغليها لأن العقاب سيكون هائلاً على غزة”.
لكن أبو العوف، قال إن زوجته لم تأخذ النصيحة على محمل الجد، “لأنها لم تدرك أننا سنكون في حرب لمدة عام”، ويوضح: “خلال الأسابيع الست التالية تم تهجيرنا خمس أو ست مرات، وكنا نحاول مواصلة تغطية الحدث والاعتناء بالعائلة في منطقة حرب، وهو أمر ليس سهلاً”.
ولفت أبو العوف إلى أنه كان يتوقع رداً إسرائيلياً كبيراً، يشمل ضربات جوية لتدمير حماس وأنفاقها، وربما غزواً برياً، “لكن لم أتوقع أبداً هذا الحجم من الدمار ولا هذا العدد من القتلى، حوالي 40,000 شخص، بينهم 14,000 طفل وامرأة، وهناك حوالي 10,000 شخص مفقودين وأعتقد أن 50 إلى 60 في المئة من المباني والبنية التحتية والمدارس والجامعات والمستشفيات تم تدميرها بالكامل”.
وتابع: “عندما غادرت غزة في نوفمبر/تشرين الثاني، سألتني زوجتي كيف ستنتهي هذه الحرب، قلت إنها ستستغرق ستة أشهر لتصل إلى نهايتها، لكني الآن لا أرى مخرجاً سهلاً للحرب”.
وأضاف: “كنت أرغب في البقاء في غزة لكني اضطررت للمغادرة بسبب العائلة، اضطررت للمغادرة لأنهم كانوا في خطر حقيقي، في الأيام الأخيرة في غزة، أخبرتهم أن يأتوا ويقيموا معي في المستشفى بالقرب مني، كنا سنعيش معاً أو نموت معاً”.
وبالرغم من شعور أبو العوف بالارتياح بعد مغادرته غزة، لكنه قال: “لا يزال والدي واختي وعائلة زوجتي بالكامل هناك، يجب أن أتابع كل ما يخصهم ويخصني في غزة، أولاً، لأنني لا أزال أقوم بعملي وأغطي القصة من هناك، والأهم هو أن أحباءنا لا يزالون هناك ويجب أن نبقى على اتصال بهم”.
لبنان وحزب الله، رغم ارتباطهما الوثيق، هما شيئان مختلفان
وسألت ليز، آنا فوستر وهي مراسلة بي بي سي في بيروت، وقد كانت في جنوب إسرائيل حين بدأت الحرب، إن كانت قد تصوّرت في العام الماضي، أن تصل الحرب إلى لبنان أيضاً؟
وقالت آنا إنها لم تكن متأكدة في ذلك الوقت، “عندما كان الناس يُخلون منازلهم بسبب صواريخ حزب الله، أتذكر أنني كنت هناك، في شمال إسرائيل، لأجري مقابلة مع امرأة، وانطلقت صفارات الإنذار، وكان علينا الركض إلى غرفتها المحصّنة، لم يكن أحد يعرف ما الذي يحدث، كان الناس خائفين، وهؤلاء هم الأشخاص الذين ظلوا خارج منازلهم لمدة عام الآن، وتقول إسرائيل إنها تريد إعادتهم”.
وأضافت آنا: بعد عام، أنا هنا في لبنان، وأرى نفس الخوف والرعب والارتباك من الناس الذين أُجبروا الآن على مغادرة منازلهم في جنوب لبنان، كان شعوري قبل عام أن لبنان لا يريد هذه الحرب، ويجب التذكر دوماً أن لبنان وحزب الله، رغم ارتباطهما الوثيق، هما شيئان مختلفان، حزب الله لديه روابطه مع الدولة اللبنانية، لكنه ليس الدولة اللبنانية، ومع كل الأزمات المعقدة التي مر بها لبنان، والوضع الذي كان يعاني منه بالفعل، لم أعتقد أن لبنان كان لديه القابلية لهذه الحرب أو الموارد لتنفيذها”.
وتعتقد آنا أن الوضع تطور بهذه السرعة بسبب “تلك هجمات البيجرز وأجهزة اللاسلكي، أعتقد أن ذلك أجبر حزب الله على التصرف، وقاد إلى كل ما رأيناه في الأسبوع الماضي أو نحو ذلك، حيث أخذت الأمور وتيرة وزخماً جديدين”.
“انفجار ما سيأتي لكن لم أعتقد أنه سيكون من غزة”
وتحدث جيريمي عن التقرير الذي أعده بعد أيام قليلة على الحادثة، وقال: “كان ذلك في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول، كان في كيبوتس كفار، وهو أحد الأهداف الأولى لحماس لأنه يقع على الحدود، عندما ذهبنا مع صحفيين ألمان، كانت المنطقة لا تزال ساحة معركة، جثث تتحلل، وجنود يطلقون النيران، وجثث مقاتلي حماس كذلك، بينما يتم حمل القتلى الإسرائيليين الذين عثر عليهم في أكياس، “كانت صورة صادمة جداً”.
وأضاف: “كانوا مصدومين، الجيش الإسرائيلي مصدوم تماماً مما حدث، وكذلك السياسيون والمخابرات، لأنهم ببساطة، لم يتوقعوا هذا، وأن هجوماً مثل هذا يمكن أن يحدث من غزة، لم يخططوا لذلك”.
وأوضح جيريمي أن هناك إشارات تحذير سبقت الهجوم، لكنهم لم ينتبهوا لها، مشيراً إلى أن “الكثير من الأشخاص المتابعين للوضع على الأقل، وأنا من ضمنهم، اعتبروا أن التوترات وغياب الأمل وطبيعة المستوطنين العنيفين في الضفة الغربية وداعميهم من المتطرفين القوميين في الحكومة، كل هذا كان مزيجاً خطيراً للغاية، وكان سينتهي بانفجار ما، لكنني توقعت أن يحدث ذلك في القدس مع الضفة الغربية، لم أكن أعتقد أنه سيأتي من غزة”.
أما آنا، فكانت بالقرب من سكان الكيبوتس بعد الحادثة، وتحدث عن لقائها بسيدة إسرائيلية أُخذ زوجها ساكي كرهينة، ولا يزال محتجزاً في غزة، وقُتلت ابنتهما البالغة من العمر 18 عاماً، ماري مايان، أمام الأسرة بأكملها.
وتقول: آخر شيء كانت تود الزوجة فعله هو التحدث عن ذلك، لكنها والآخرين أرادوا فعل ذلك لأنهم أرادوا أن يعرف العالم تلك القصص وإبقاءها حية في الأذهان، لأنهم في تلك الأيام، كانوا يعتقدون أن عدم السماح للناس بنسيانها، سيساعد في جهود التوصل إلى وقف إطلاق النار أو صفقة رهائن.
“غزة بدأ فيها كل شيء، وربما يكون فيها الحل”
سألت ليز، جيريمي، عن ما إن كان الأمر سيزداد سوءاً قبل أن يتحسن أو العبارة التي تُستخدم الآن، “التصعيد من أجل التهدئة”.
ورأى جيريمي أن العبارة هي فكرة غير منطقية، وبيّن أن النظرية تقول إنك لابد أن تضرب بقوة، كما فعلت إسرائيل في لبنان، بحيث تجبر عدوك على رفع يديه والاستسلام، لكن، وفق جيريمي، “ذلك لم ينجح لأن حزب الله لا يزال يطلق النار على إسرائيل، وقد غزت إسرائيل الجنوب، وهم يقاومون وقد قتلوا بعض الجنود الإسرائيليين، ومصممون (عناصر حزب الله) على الاستمرار في القتال”.
وأضاف: لذا أعتقد أن هذا يزيل الوهم حول “التصعيد من أجل التهدئة”، أعتقد أن الطريقة الوحيدة، وبالحديث مع كبار المسؤولين والدبلوماسيين وغيرهم، الفرصة الوحيدة هي محاولة التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.
وأشار جيريمي إلى أن غزة بدأ فيها كل شيء، وقد تكون المكان الذي سيبدأ فيه الحل، “لكن كل المؤشرات لا تنبىء بأن ذلك سيحدث، المحادثات المتعلقة بوقف إطلاق النار متعثرة”.
ولفت إلى أن الانتخابات الأمريكية قد تكون حاسمة، “يعتمد الأمر على ما سيفعله بايدن في أشهره الأخيرة، وأيضاً على من سيفوز في الانتخابات، رأيت اليوم في إحدى الصحف أن ترامب يدعو إسرائيل لقصف المنشآت النووية الإيرانية، وأعتقد أن إيران ستعتبر ذلك هجوماً وجودياً وسترد بأقصى قوة ممكنة. لذا، بصراحة، لا أرى كثيراً مما يدعو للتفاؤل، أعتقد أن الطريقة التي يمكنهم بها فتح نافذة صغيرة للدبلوماسية هي وقف إطلاق النار في غزة”.
Source link
اضف تعليقك