#تكنولوجيا
كارمن العسيلي
اليوم
لا يقتصر تأثير التغير المناخي على ارتفاع درجات الحرارة، وإنما، أيضاً، يهدد كل ما حولنا من موارد طبيعية، وحياة يومية. فكروا في الفيضانات المتكررة، والجفاف الذي يدمر المحاصيل، والأعاصير التي تزداد قوة، وارتفاع منسوب البحار، فكل هذه الظواهر ليست أموراً تحدث بعيداً عنا؛ بل لها تأثير مباشر في صحتنا، وغذائنا، ووظائفنا، والسبب يعود إلى الأنشطة البشرية، التي ترفع انبعاثات «غازات الدفيئة». من هنا، فإن الهدف الثالث عشر من أهداف التنمية المستدامة، التي وضعتها الأمم المتحدة، يركز على العمل المناخي، وكيفية التصدي لهذه التحديات؛ لضمان مستقبل مستدام، لنا وللأجيال القادمة.
ما الذي يمكن تحقيقه، من خلال العمل المناخي؟
باختصار.. العمل المناخي هو أي جهد نقوم به؛ للحد من التغير المناخي، أو التكيف معه، وهذا يشمل: تقليل انبعاثات الكربون، وتبني الطاقة المتجددة، والحفاظ على الغابات، التي تساعد في امتصاص «غازات الدفيئة». وليس هذا فحسب، بل تهدف الجهود العالمية، أيضاً، إلى تعزيز قدرة الدول على التكيف، والصمود في مواجهة المخاطر المرتبطة بالتغير المناخي، والكوارث الطبيعية، ما يتطلب اتخاذ تدابير فعالة؛ لدمج قضايا تغير المناخ في السياسات والاستراتيجيات الوطنية، ورفع مستوى التعليم والوعي حول تأثيرات تغير المناخ، وتعزيز القدرات البشرية والمؤسسية؛ لتخفيف هذه التأثيرات، والتكيف معها بفاعلية. كما تلتزم الدول المتقدمة، من خلال هذا الهدف، بدعم الدول النامية، والجزر النامية؛ لتمويل احتياجاتها في مواجهة تغير المناخ، وضمان تنفيذ إجراءات شفافة.
كيف يمكن حل مشكلة التغير المناخي؟
عام 2015، تم اعتماد «اتفاق باريس»، الذي شهد التزام جميع الدول باتخاذ إجراءات ملموسة؛ لمواجهة تغير المناخ، من خلال العمل على خفض الانبعاثات الكربونية، واللجوء إلى الطاقة البديلة والمتجددة. وبالفعل، تضاعفت الاستثمارات في الطاقة المتجددة، إلا أنه لا يزال هناك الكثير من العمل لتحقيق الهدف، وهو الحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية أقل من درجتين مئويتين، والأفضل أقل من 1.5 درجة مئوية، وهذا يعني خفض الانبعاثات بمقدار النصف بحلول عام 2030.
إذن.. العمل المناخي ليس رفاهية أو خيارًا، بل هو ضرورة، وحماية الأرض تعني حماية حياتنا. وكل خطوة نقوم بها، مهما كانت صغيرة، تُحدث فرقًا، ونحن أمام فرصة ذهبية؛ لجعل الاقتصاد الأخضر هو القاعدة، والتغييرات الجذرية التي نقوم بها اليوم ستضعنا على الطريق نحو مستقبل مستدام، وآمن، للأجيال القادمة. وهذا ما أدركته دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تقود الطريق في العمل المناخي، وتضع نفسها مثالاً عالمياً في تحقيق الهدف الثالث عشر من أهداف التنمية المستدامة، المتعلق بمواجهة التغير المناخي.
مساهمات الإمارات في العمل المناخي
إذا كنتم تتساءلون عن كيفية مساهمة الإمارات في هذا المجال الحيوي، فدعونا نستعرض، معًا، أهم الإنجازات والمبادرات، التي تضعها في مقدمة الدول المهتمة بمستقبل كوكبنا:
1 – الطاقة المتجددة:
هل تعلمون أن الإمارات تستثمر، بشكل ضخم، في الطاقة المتجددة؟.. ومن أهم هذه المشاريع:
– محطة «شمس 1»، إحدى أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم، فهي تضيف آلاف الميغاواط من الطاقة النظيفة للشبكة.
– مشروع المرحلة السادسة من مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية بقدرة 1.8 غيغاواط، ومشروع المرحلة الثانية من تحويل النفايات إلى طاقة – دبي، ومشروع العجبان للطاقة الكهروضوئية في إمارة أبوظبي بقدرة 1.5 غيغاواط، ومشروع الخزنة للطاقة الكهروضوئية في أبوظبي بقدرة 1.5 غيغاواط، ومشروع حتا للطاقة الكهرومائية، ومشروع الطاقة الكهروضوئية في الشارقة بقدرة 60 ميغاواط، ومشروع التشغيل التجاري للمفاعل الرابع لمحطة براكة، الذي جرى تشغيله مؤخراً.
– مشاريع إدارة الكربون تعد من أهم مشاريع شركة «أدنوك»، التي تواصل القيام بدور رائد في تطبيق تقنيات التقاط الكربون وتخزينه بشكل دائم وآمن، ضمن جهودها؛ لتسريع تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2045، وذلك من خلال خطط؛ لمضاعفة هدف رفع قدرتها على التقاط الكربون؛ لتصل إلى 10 ملايين طن سنوياً بحلول عام 2030.
2 – اتفاقية باريس
الإمارات ليست فقط ملتزمة محلياً، بل عالمياً أيضاً! فقد كانت من أولى الدول التي وقعت على اتفاقية باريس للتغير المناخي، ما يؤكد إصرارها على الحد من الانبعاثات الكربونية. هذه الاتفاقية تهدف إلى الحفاظ على ارتفاع درجة حرارة الأرض أقل من درجتين مئويتين، وهذا يعني أن الإمارات تعمل على بناء مستقبل أكثر استدامة للجميع.
3 – التشجير
هل فكرتم، يومًا، في تأثير زراعة ملايين الأشجار بالبيئة، من ناحية تحسين جودة الهواء، وتقليل انبعاثات الكربون؟ الإمارات فعلت ذلك، من خلال مبادرة «غرس الإمارات»؛ لزراعة 10 أشجار قرم لكل زائر لمؤتمر الأطراف (COP 28)، التي تمت من خلالها زراعة 850 ألف شجرة قرم في المناطق الساحلية بإمارة أبوظبي، ما يتماشى مع هدف دولة الإمارات بزراعة 100 مليون شجرة قرم بحلول عام 2030؛ للمساعدة في تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، علماً بأنه تمت زراعة ما يقارب الـ40 مليون شجرة قرم في المناطق الساحلية لإمارة أبوظبي منذ عام 1987. وهذا مجرد مثال على العديد من المبادرات البيئية، التي تطلقها الدولة؛ لزيادة المساحات الخضراء، وتحسين البيئة.
4 – استضافة «COP28»
لم تكن استضافة الإمارات لمؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (COP28) في 2023، مجرد حدث عالمي، وإنما فرصة لمشاركة الإمارات العالم بحلولها المبتكرة، وخططها الطموحة من أجل بيئة أفضل، وتعزيز دورها القيادي في مكافحة التغير المناخي. ونجحت الإمارات، بفضل حنكة وتميز إدارتها للمفاوضات، في التوصل إلى تحقيق اتفاق تاريخي هو «اتفاق الإمارات»، الذي أرسى معايير جديدة للعمل المناخي العالمي، من خلال تشجيع الأطراف على تقديم مساهمات، واستهداف زيادة القدرة الإنتاجية لمصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات، ومضاعفة تحسين كفاءة الطاقة سنوياً بحلول عام 2030. والمساهمة في الحد من الأخطار، التي تواجهها الدول الأكثر عرضة لتداعيات التغير المناخي، بما يحقق التوازن بين متطلبات التنمية، والعمل المناخي.
5 – الأجندة الوطنية الخضراء والابتكار
تُشكل الأجندة الوطنية الخضراء 2030 خطة طويلة الأجل؛ لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في دولة الإمارات، وجعل اقتصادها أكثر صداقة للبيئة. وبحلول 2030، ستعمل هذه الأجندة على تنفيذ ومتابعة المبادرات والمشاريع؛ لتحقيق أبرز المنافع المتوقعة عند التحول إلى الاقتصاد الأخضر، حيث تسعى إلى خفض الانبعاثات من قطاع الطاقة إلى أقل من 100 كيلو واط/ساعة. وتشمل الأجندة خمسة أهداف استراتيجية، بينها: الطاقة النظيفة، والتكيف مع التغير المناخي، وتتضمن برامج ومبادرات خضراء لتحقيقها. كذلك، تعرف الإمارات أن الابتكار هو المستقبل؛ لذلك تشجع – بشدة – على تطوير حلول بيئية مبتكرة. ومن خلال مبادرات، مثل «جائزة زايد للاستدامة»، يتم دعم المشاريع التي تعالج قضايا الطاقة النظيفة والمياه والمناخ، ما يعزز الجهود البيئية على مستوى عالمي.
6 – مبادرات النفايات البلاستيكية
نعرف، جميعنا، ما يسببه البلاستيك من مشاكل بيئية؛ لذلك اتخذت الإمارات خطوة حاسمة للحد من استخدام المنتجات البلاستيكية، لاسيما ذات الاستخدام الواحد، بحظرها بشكل تام بحلول نهاية عام 2024، تليها الأكياس الأحادية الاستخدام الأخرى بحلول 2026، كما أطلقت الدولة مبادرات؛ لإعادة التدوير، وتقليل النفايات؛ لتحقيق بيئة أنظف، ومستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة.
7 – الخطة الوطنية للتغير المناخي
في يونيو 2017، اعتمد مجلس الوزراء الخطة الوطنية للتغير المناخي، التي تدعم جهود الدولة القائمة في مجال التغير المناخي بثلاث أولويات، ضمن جدول زمني للعمل يمتد حتى عام 2050. وتتمثل الأهداف الرئيسية للخطة في إدارة انبعاثات «غازات الدفيئة» على مستوى الدولة مع الحفاظ على النمو الاقتصادي المستدام، وتقليل المخاطر، وتحسين القدرة على التكيف مع التغير المناخي، وتعزيز التنوع الاقتصادي من خلال حلول مبتكرة، بالتعاون مع القطاع الخاص.
8 – إنجازات الإمارات
– حققت الإمارات المركز الأول في القدرة التنافسية بإنتاج الهيدروجين الأخضر، ضمن تقرير الهيدروجين الأخضر لسنة 2024، المعد من قِبَل شركة «ألفاريز ومارسال»، كما أحرزت المركز الأول في جاهزية سوق الهيدروجين بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ضمن تقرير خريطة طريق التدابير التمكينية للهيدروجين المنخفض الكربون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، المُعد من قِبَل المنتدى الاقتصادي العالمي لسنة 2023.
– حققت دولة الإمارات تقدماً ملحوظاً في ارتفاع نسبة مساهمة إنتاج الطاقة النظيفة من إجمالي مزيج الطاقة؛ حيث وصلت إلى 27.83% عام 2023، في إطار المستهدف بحلول سنة 2030، وهو 32%.
– نجحت، بين عامَيْ: 2019، و2022، في مضاعفة قدرتها من الطاقة المتجددة، ضمن مسار تحقيق مستهدفات استراتيجية الإمارات للطاقة؛ لمضاعفة القدرة المُركبة 3 مرات بحلول 2030، نحو التزامها بتحقيق مستهدفات التحول في الطاقة، وفق اتفاق الإمارات التاريخي في «COP28».
وبفضل هذه الجهود المستمرة، أثبتت الإمارات أنها ليست فقط مهتمة بحاضرنا، بل أيضًا بمستقبلنا، ومستقبل كوكب الأرض. إن العمل المناخي ليس مجرد خيار بالنسبة للإمارات، فهو التزام حقيقي ومستمر نحو بناء مستقبل مستدام لنا، ولأجيالنا القادمة.. فهل يمكننا تخيل التأثير الإيجابي لهذا الأمر في البيئة؟
كيف نُحدِث فرقاً على المستوى الفردي؟
الوعي هو المفتاح؛ فكلما زادت معرفتنا بتأثيرات التغير المناخي، وكيف يمكننا مواجهته، كلما زادت قدرتنا على التحرك. لذلك، لنبدأ بالتحدث عن الموضوع، ونشجع على التغيير. كما يمكن لكل منا أن يساهم بخطوات بسيطة، مثل: استخدام وسائل النقل المستدامة، وتقليل استخدام البلاستيك، واستهلاك الطاقة بحكمة.
Source link
اضف تعليقك