أعلن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، منتصف أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أن بلاده ستجري استفتاء شعبياً على مجموعة من التعديلات الدستورية تشمل مقترحاً ينص على إلغاء الانتخاب الجزئي لأعضاء مجلس الشورى والعودة إلى نظام التعيين الكامل من قِبل الأمير.
يأتي هذا الإعلان بعد تجربة واحدة خاضها القطريون في عام 2021 لانتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشورى. ووُصفت الانتخابات التشريعية آنذاك بـالحدث “التاريخي”، وشهدت إقبالاً كبيراً بنسبة تجاوزت الـ 63 في المئة بقليل.
فلماذا تدرس قطر العودة لنظام التعيين؟
“تجربة وحيدة أفضت لجدال مجتمعي”
ينص الدستور الدائم لقطر، الذي صدر عام 2004 ودخل حيز التنفيذ عام 2005، على أن يُنتخب ثلثَي أعضاء مجلس الشورى عن طريق التصويت العام السري المباشر، ويُعين الأمير الثلث الآخر.
لكن هذا البند من الدستور لم يكن مُطبقاً، إذ جرت العادة أن يعين الأمير جميع الأعضاء، وبعد 16 عاماً شهدت قطر أول انتخابات تشريعية، قالت إنها لـ “تعزيز المشاركة الشعبية في العملية السياسية”.
وعلى الرغم من أن الخطوة حظيت بترحيب دولي، باعتبار أنها بداية مهمة في تمكين الديمقراطية ودعم حقوق الإنسان في منطقة الخليج، لكنها أثارت أيضاً جدلاً وانقساماً داخلياً حول بند من بنود القانون المنظم للانتخابات.
نص القانون الانتخابي على أن حق الترشح والتصويت يقتصر على القطريين “الأصليين”، بينما يحق “التصويت فقط” للقطريين المجنسين المولودين في قطر ممن حصل أجدادهم على الجنسية القطرية، ولم يُسمح لباقي المجنسين بالترشح أو التصويت.
وشرط “الجنسية القطرية الأصلية” هذا أثار حفيظة البعض، وتحديداً بعضاً من أفراد قبيلة آل مرّة – إحدى أكبر القبائل في منطقة الخليج – الذين خرجوا في مظاهرات احتجاجاً على “إقصائهم من حقهم الطبيعي في الترشح أو حتى التصويت بالنسبة لبعض أبناء القبيلة”.
وبحسب قانون الجنسية القطرية لعام 2005، فإن القطريين أساساً هم “المتوطنين في قطر قبل عام 1930، واحتفظوا بجنسيتهم القطرية حتى تاريخ العمل بالقانون رقم 2 لسنة 1961″، وهو ما يعني استبعاد بعض أفراد العائلات المجنسة بعد ذلك التاريخ.
انتقدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” حينها القانون الانتخابي، ووصفته بـ “التمييزي، الذي يحرم آلاف القطريين من الاقتراع أو الترشح”.
يقول أستاذ العلوم السياسية والإعلام في جامعة قطر، علي الهيل، لبي بي سي إن “التوترات الاجتماعية التي رافقت أول تجربة انتخابية، والتي كادت أن تمس أمن المجتمع هي السبب الرئيسي الذي استوجب إعادة النظر بجدوى العملية الانتخابية”.
وبالنسبة للهيل فإن تعيين أمير قطر لكامل أعضاء المجلس يضمن المساواة بين جميع المواطنين والعائلات، واصفاً المرحلة القادمة بأنها مرحلة “العودة إلى أهل الحل والعقد وأعيان البلاد”.
أما المحلل السياسي والخبير في الشؤون القانونية الدكتور جاسم بن ناصر آل ثاني، فيرى أن “مواد الدستور ليست ثابتة أو أبدية، بل يمكن تعديلها بحسب مصلحة الدولة والمواطن”.
ووصف أمير قطر الشيخ تميم، منتصف أكتوبر/تشرين الأول الحالي، الانتخابات بأنها تجربة خضعت للدراسة، وهو ما دفع الحكومة لاقتراح التعديلات الدستورية.
وقال في كلمته السنوية لافتتاح مجلس الشورى: “ليس مجلس الشورى برلماناً تمثيلياً في نظام ديمقراطي، ولن تتأثر مكانته وصلاحياته سواء اختير أعضاؤه بالانتخاب أو التعيين”.
ويتفق رئيس تحرير البيت الخليجي للدراسات والنشر، عادل مرزوق، على أن “الجدل الاجتماعي حول مسألة المواطنة، ومن يحق له الترشح والتصويت، هو السبب الأبرز في الذهاب إلى هذا السياق”.
ويلفت مرزوق في حديثه لبي بي سي إلى أن هناك تراجعاً للمسار الديمقراطي في منطقة الخليج والمنطقة العربية بشكل عام.
ويرى أيضاً أن أحداث الربيع العربي لعبت دوراً في ترويج سردية خليجية تقوم على أن “المسار الديمقراطي لا يخلّف إلا الفوضى وتعطيل التنمية، وبالتالي فإن النموذج الذي تقدمه دول الخليج، والذي يضمن استقرار وأمن الدولة ويحقق الرفاه والتنمية، هو الأفضل”.
هل تأثرت التجربة القطرية بمحيطها الخليجي؟
تتشابه أنظمة الحكم في دول الخليج العربية الستة إلى حد ما، وتعد مجالس الشورى (أو البرلمانات) آلية تمنح المشاركة السياسية للمواطنين.
وتتفاوت مجالس الشورى في دول الخليج من حيث التكوين والصلاحيات؛ إذ تتراوح بين الهيئات الاستشارية ذات الصلاحيات المحدودة، مثل مجلس الشورى السعودي، وبين المجالس ذات السلطات التشريعية الواسعة، مثل مجلس الأمة الكويتي.
كما تختلف في أسلوب اختيار الأعضاء؛ فبعض المجالس تعتمد على التعيين الكامل، بينما يمزج بعضها بين الانتخاب والتعيين، لكن اتخاذ القرار يعود في نهاية الأمر للحاكم في الدولة الخليجية.
ويرى أستاذ العلوم السياسية والإعلام في جامعة قطر، علي الهيل، أن “المسيرة الديمقراطية في الكويت، التي شهدت خضات عديدة نتيجة الاستجوابات داخل مجلس الأمة وأدت لتعطيل التنمية، كانت دافعاً لمشروع التعديلات الدستورية”.
ويشير المحلل السياسي القطري جاسم بن ناصر في حديثه لبي بي سي إلى أنه “بالتوازي مع عمل المجلس كانت هناك تقييمات لتجارب دول أخرى في مجلس التعاون والشرق الأوسط”، ويعتقد أن البرلمانات المنتخبة “تفرز عبر شراء الأصوات أو غيره، أعضاء فاسدين مالياً أو يكون لبعضهم نزعات مذهبية أيديولوجية، بحيث يكون ولاؤه مشترك أو إلى دوله أخرى؛ وهو ما سبب كثيراً من المشاكل الأمنية والسياسية للدول المجاورة، فتخلفت عن ركب التطور”.
وتختلف الكويت عن باقي دول الخليج بنظامها السياسي “المنفتح والحر” نسبياً، إذ تمنح صلاحيات كبيرة لبرلمان منتخب بالكامل، يمكنه الاعتراض على تشريعات مقترحة واستجواب الوزراء.
ولكن ثمة توترات بين مجلس النواب من جهة والحكومة – التي تهيمن عليها أسرة آل الصباح الحاكمة – من جهة أخرى، وأدت إلى حلّ المجلس عدة مرات وحتى تعطيل بعض بنود الدستور.
أما رئيس تحرير البيت الخليجي للدراسات والنشر، عادل مرزوق، فيعتقد أن “مسألة إلغاء انتخاب أعضاء الشورى في قطر شأن داخلي”، ويضيف: “يبدو أن الحاجة إلى برلمانات منتخبة لا تمثل أولوية لدى القطريين أو الإماراتيين على وجه التحديد، ولكنها في الكويت والبحرين أمر مهم”.
ويعلل مرزوق ذلك بالقول إن “هناك اختلافات وازنة بين دول الخليج، فالتوافقات الوطنية والقبول المجتمعي بنمط الحكم وشكله، وطبيعة البنية الاجتماعية التي تبدو مستقرة، لن يخلق صراعاً على الانتقال الديمقراطي في قطر أو الإمارات مثلاً، ويختلف هذا المشهد في الكويت والبحرين، إذ أن مسألة الديمقراطية ذات حضور، وتمثل واقع أزمة”.
ويمثل القطريون نحو 11 في المئة من مجموع السكان الكلي في قطر، الذي يبلغ نحو 3 ملايين نسمة، وبحسب مؤشر “نومبيو” لعام 2023، جاءت قطر في المرتبة الأولى عربياً والسادسة عالمياً بمتوسط الراتب الشهري، الذي بلغ 4105 دولار أمريكي.
وتقدم الدولة لمواطنيها مزايا عدة من بينها اشتراكات مجانية للماء والكهرباء وكوبونات تعليمية للمواطنين في المدارس الخاصة، بالإضافة إلى خدمات التعليم والصحة المجانية في المنشآت الحكومية.
ما هو مجلس الشورى وما دوره؟
ويرجع تاريخ تأسيس مجلس الشورى في قطر إلى عام 1972، وهو السلطة التشريعية في البلاد.
من مهام المجلس مناقشة ما يحال إليه من مجلس الوزراء، مثل مشروعات القوانين، والسياسة العامة للدولة، والمصادقة على ميزانيات المشروعات الرئيسية، بحيث يقدم توصيات بشأنها.
وليس للمجلس سلطة على الهيئات التي تضع السياسات الدفاعية، والأمنية، والاقتصادية، والاستثمارية في الدولة.
وقد ضم أول مجلس شورى في قطر 20 عضواً، وعلى مر السنين ازداد عددهم حتى بلغ حالياً 45 عضواً، ولم تشارك المرأة القطرية في المجلس حتى عام 2017، عندما أصدر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قراراً أميرياً عيّن بموجبه أربع نساء لأول مرة في تاريخ المجلس.
كيف سيجري الاستفتاء؟
من المقرر أن يُطرح مشروع التعديلات الدستورية للاستفتاء الشعبي، الذي لم يُحدد تاريخه بعد.
وبحسب القانون القطري، فإن إقرار أي تعديل دستوري يشترط فقط موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشورى وتصديق الأمير عليه.
وفي هذا الشأن يقول رئيس تحرير البيت الخليجي للدراسات والنشر، عادل مرزوق: “أراد أمير قطر أن يعزز مشروع التعديلات عبر إجراء استفتاء يعطيه شرعية أكثر شعبية”.
ووفقاً للمادة 75 من الدستور القطري، يُعتبر موضوع الاستفتاء موافقاً عليه إذا أقرته أغلبية من أدلوا بأصواتهم، وتكون نتيجة الاستفتاء مُلزمة ونافذة من تاريخ إعلانها.
ويقول أستاذ العلوم السياسية والإعلام في جامعة قطر، علي الهيل، إن “الاستفتاء الشعبي أداة من أدوات المشاركة السياسية”، ويعتقد أن نتيجة الاستفتاء ستكون “إيجابية، لأن المواطن القطري يُعنى بالدرجة الأولى بمسألة الأمن، وهي شرط أساسي لحياة اجتماعية مطمئنة”.
وينسجم رأي رئيس تحرير البيت الخليجي للدراسات والنشر عادل مرزوق، مع ما طرحه الهيل، إذ يعتقد أن “التعديلات ستحظى بموافقة الأغلبية، فهناك توافق مجتمعي مع رأي الأمير”.
وهذا ثاني استفتاء شعبي تنظمه قطر منذ استقلالها عام 1971، وجرى أول استفتاء في 29 أبريل/نيسان 2003، عندما صادق القطريون بنسبة بلغت تقريباً 98 في المئة على الدستور الدائم للبلاد.
Source link
اضف تعليقك