استغل المرشحُ الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب فرصةَ الظهور الأسبوع الماضي على إحدى الفضائيات في الشرق الأوسط الممولة سعوديا لخطب ود الأوساط العربية.
وأعاد ترامب التأكيد على وعوده السابقة بأنه في حال فوزه سيعمل جاهدا على إنهاء “كل أزمة دولية خلقتها الإدارة الأمريكية الحالية”، لكنه أيضا سجل موقفا رافضا لسياسات التيار الموالي للمثليين والعابرين جنسيا (مجتمع الميم-عين).
ويبدو أن ترامب كان يعتقد أن حديثه عن المثلية قد يلقى قبولا عند قطاع في العالم العربي يعارض منح حقوق للمثليين.
كذاك بدا الأمر وكأنه محاولة من قبله لكسب أصوات قطاع من المسلمين الذي يحبذ على الصعيد الاجتماعي ترسيخ المفهوم النمطي للأسرة، وهو ما يتشابه مع مواقف قطاعات متدينة أخرى في المجتمع الأمريكي عادة ما تصوت للحزب الجمهوري ذي الأجندة المحافظة اجتماعيا.
وكان ترامب قد أثار غضب قطاع من المسلمين وغيرهم عندما وقع على مرسوم رئاسي ترامب قبل 8 سنوات يضع قيودا صارمة على دخول مواطني دول إسلامية إلى الولايات المتحدة
وبغض النظر عن نوايا ترامب من حديثه عن المثليين والعابرين جنسيا فإن السؤال عن تأثير أصوات أعضاء مجتمع الميم-عين لا يزال يثير اهتماما عند عدد من المراقبين في الولايات المتحدة.
ترامب ومجتمع الميم-عين
كان ترامب قد اتخذ في بداية فترته الرئاسية موقفا متصلبا إزاء المثليين والعابرين جنسيا وهو ما تمثل في إصداره قائمة بـ سبع “كلمات محرمة” يحظر استخدامُها في أي وثائق رسمية او أبحاث طبية تابعة للقطاع الصحي الحكومي وهي: (جنين ، متحول جنسيا، التنوع، حق مخول، مستضعف، مبني على علم، مبني على دليل).
وعلقت آنذاك جماعات حقوق المرأة ونشطاء مجتمع الميم غضبا قائلين إنه لا يقيم لهم وزنا ولقضايا التوجه الجنسي وحقوق الإجهاض. فهل اخطأ ترامب بالفعل في تقييم وزن هؤلاء؟
بحسب المنابر المدافعة عن حقوق المثليين الأمريكيين على غرار “هيومين رايتس كامبين”، فإن الأشخاص الذين تم تحديدهم من مجتمع الميم-عين شكلوا ما نسبته واحدًا من كل عشرة أشخاص من السكان المؤهلين للتصويت خلال انتخابات التجديد النصفي عام 2022.
لكن معهد ويليامز لدراسات القانون بجامعة كاليفورنيا يقدر أن هناك ما يقرب من واحد من بين كل ستة من الشباب الأمريكي بين 18 و 24 عامًا من مجتمع الميم-عين
أما مؤسسة غالوب فقد ذكرت في مسح لها قبل انتخابات 2024 أن أفراد الميم-عين يشكلون نحو7.6 ٪ من إجمالي الناخبين موضحة نموهم المطرد مقارنة بـ 5.6 % في 2020 و3.5% في 2012. وتقول إن 6.8% رفضوا الإفصاح عن هويتهم الجندرية مما يعني أن 85.6% من الأمريكيين يتبنون المغايرة الجنسية.
وتوضح غالوب أن من يقود الزيادة الحاصلة في صفوف الميم-عين والمتوقعة في العقد القادم هم أفواج جيلي الألفية وزاد Z التي بدأت بالوصول لعتبة البلوغ كما وأنها تعتقد أن بين تلك النسبة التي لا تفصح عن ميولها في الاستطلاعات لأطراف ثالثة أعضاءٌ أخرون من الميم-عين.
واقع حياة مجتمع الميم-عين في الولايات المتحدة بين الماضي والحاضر
شكل وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض علامة فارقة في تاريخ حركة الدفاع عن المثليين والعابرين جنسيا، إذ رحب بقرار المحكمة العليا بقانونية زواج المثليين.
كما ألغى الرئيس حظرًا على خدمة المثليين في الجيش إذا ما أفصحوا عن ميولهم الجنسية، وهو الحظر الذي يعود لـ عصر سلفه الديمقراطي الرئيس الـ 42 للولايات المتحدة بيل كلينتون الذي قام حتى بتقييد تعريف الزواج في الدستور إلى اتحاد بين رجل وامرأة فقط.
وكان مجتمع الميم-عين في الولايات المتحدة قد بدأ نضاله منذ 1950 على أمل أن يحظى في البداية بقبول في المجتمع الأمريكي وعلى دعم ضد العنف والتمييز بحقه على أساس الهوية الجندرية وضد ملاحقات الشرطة لأفراده. لكن توالت نكساته وفي 1969 وعلى إثر موجة احتجاجات بسبب مداهمة أمنية لأحد الفنادق في نيويورك تحول ذلك النضال لحركة دفاع عن الحقوق المدنية والمساواة.
فقد كان يتم تسريح أفراد مجتمع الميم-عين من الجيش والمناصب الفيدرالية متى يتم كشف هويتهم الجنسية، كما حرموا من المشاركة في المنافسات الرياضية. كذلك تم ادراجهم في الدليل التشخيصي الذي تصدره الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين بوصفهم يعانون من اضطرابات ذهنية وهو ما استمر حتى 1973. ويُنظر للولايات المتحدة على أنها إحدى آخر دول العالم المتقدم في منح المثليين حقوقا. وانتظر هؤلاء حتى عام 2003، كي تلغي المحكمة العليا قوانين تجريم المثلية في جميع الولايات الخمسين. وفي 2004، صدر أول ترخيص لزواج المثليين، في ولاية ماساتشوستس.
سار الرئيس الأمريكي الـ 46 المنتهية ولايته جو بايدن ونائبتُه كامالا هاريس على خطى الحقبة الأوبامية، ما أثار استقطابا سياسيا
وصدر عنهما في 17 أيار/مايو 2021 “مستند حقائق” أكدا فيه على التزام إدارة بايدن – هاريس بالعمل على النهوض بحقوق إنسان مجتمع الميم في الولايات المتحدة ومكافحة عدم التمييز بحقه وحماية أي لاجئ وطالب لجوء في وضع هش بسبب ميولهم الجنسية.
أما الجمهوريون فلم يخرج من بينهم فريق كبير يبدي حماسة أو قابلية عالية إزاء قضايا أفراد مجتمع الميم- عين.
إذ تشير التقارير الواردة من الولايات المتحدة إلى أنه قد تم طرح أكثر من 500 مشروع قانون مناهض لمجتمع الميم-عين منذ عام 2023 في الولايات المتحدة، جميعها تقريبا بمعرفة المشرعين الجمهوريين الذين نجحوا في تمرير 77 منها بالفعل العام الماضي.
وبحسب ملاحظات المراقبين كما تم رصدها في تقرير لـ معهد ويليامز لدراسات القانون بجامعة كاليفورنيا، ثمة نفور متأصل بين المفاهيم المثلية والمدرسة الفكرية للجمهوريين.
ويعتبر جورج بوش الابن من أشهر الرؤساء الأمريكيين الذين عارضوا زواج المثليين جنسيا وأعربوا عن عدم رضاهم لدى صدور حكم محكمة ولاية ماساشوستس المؤيد لزواج مثليي الجنس في 2004. لكن بعد أن اعتزل العمل السياسي، أعربت زوجته لورا عن دعمها لزواج المثليين في مقابلة تلفزيونية، وسجلت ابنته باربرا مقطع فيديو داعم للزواج المثلي وحتى والده، الرئيس بوش الأب، مثل كشاهدٍ في زواج ثنائي مثلي في سابقة في التاريخ السياسي الأمريكي.
خيارات تصويت مجتمع الميم-عين الأمريكي
بناء على الدلالات السابقة قد نستنتج أن مجتمع الميم ع هواه لن يكون جمهوريا. وتشير أرقام انتخابات 2020 في الولايات المتحدة إلى أن من بين نحو 9 ملايين ناخب استحقوا التصويت من مجتمع الميم-عين آنذاك، فإن (50%) اظهروا تأييدا للديمقراطيين، و15% للجمهوريين، بينما أيد 22% مرشحين مستقلين، و13% مالوا في المقابل إلى التصويت لحزب ثالث غير الحزبين السياسيين المعاصرين الرئيسيين في الولايات المتحدة.
وبحسب مركز بيو للدراسات فقد تمكن كلٌ من الحزبين الرئيسيين، الجمهوري والديمقراطي، من جلب ناخبين جدد إلى العملية السياسية في السنوات الماضية وكانت هناك رهانات ديموغرافية على الطاولة وتم رصد تحولات مهمة وزخما جديدا.
أفاد “بيو ” أن انتخابات عام 2020 شهدت استمرارية في منوال تصويت المجموعات الرئيسية على غرار الناخبين الأمريكيين السود أو من هم من أصول أسيوية الذين ظلوا على ولائهم للحزب الديمقراطي.
بالإضافة لحصص كل من ترامب وبايدن من داخل تحالفاتهما الحزبية لكن هناك مكاسب استحقها بايدن في 2020 في الضواحي كما اكتسب بعض الأرضية لدى بعض المجموعات العرقية والفكرية والعقائدية مثل الملحدين واللاأدريين وحسم كذلك أصوات العرب والمسلمين في أغلبهم لصالحه.
وبالنسبة لترامب فقد جذب الناخبين البيض والبروتستانت الإنجيليين لكن أيضا ارتفعت اسهمه بقوة بين جمهور النساء عن الرجال ونجح أيضا أن يزيد من حصته من أصوات الناخبين الريفيين وتمسك بالناخبين من أصل لاتيني.
أما الناخبون من الجيل Z والألفية فقد فضلوا بايدن بهامش وصل حوالي 20 نقطة على ترامب الذي أنصرف عنه أيضا نشطاء المناخ لدعم الحزب الديمقراطي.
لكن ماذا عن مجتمع الميم-عين في 2024؟
حقوق مجتمع الميم في الولايات المتحدة هل يمكن نزعها ؟
ضمن بيانات متعددة نشرتها منصة “غلااد” التي تدافع عن حقوق المثليين الأمريكيين، فإن ناخبي مجتمع الميم حريصون على المشاركة في انتخابات نوفمبر نشرين الثاني 2024 وهم في وضع يسمح لهم بأن يكونوا كتلة انتخابية مؤثرة متباهية بأنهم ممن مكنوا بايدن من الفوز في 2020 في الولايات المتأرجحة التي شهدت منافسة متقاربة في 2020 على حد زعمها.
على ذلك يعلق عاطف عبد الجواد خبيرُ الشؤون الأمريكية قائلا لبي بي سي عربي إن جيل الشباب إجمالا كان جسر العبور لبايدن للبيت الأبيض في 2020 وإنه كان وقود التغيير بمشاركته الديناميكية آنذاك، مشيرا إلى أن أنصار مجتمع الميم-عين موجودون في أغلبهم ف معسكر الشباب.
وأوضح عبد الجواد أن مجتمع الميم-عين فئةٌ يزيد ثقلها وتكتسب أهمية في الولايات المتأرجحة حيث تحتدم المنافسة على كسب الأصوات وبالتالي ويمكن أن يحدثوا فرقًا في النتيجة إذا أفرغت ما في جعبتها وتابع “لها تأثير محسوس… علينا الاعتراف بذلك برغم أعدادهم الصغيرة نسبيا لا سيما وأنه وبسبب نظام المجمع الانتخابي ودوره في اختيار الرئيس فإنه يمكن لأعداد صغيرة من الناخبين الاسهام في فوز مرشح ما في الولايات التي تسمى بـ المتأرجحة” .
وعن انتمائها السياسي، رد بأنه ليس هناك خط روتيني واضح لكنها في معظمها تلتقط الرسائل ممن يظهر لها قدرة على استيعاب التجديد والتفاعل مع العصرنة والتعايش في ظل سياسات اليسار الديمقراطي الليبرالي ويكون الأمل بالنسبة لها دوما في وجود رئيس وأغلبية في مجلس النواب من تلك الخلفية للتعويل عليه في عدم الإضرار بمصالحها.
وأضاف أن غالبية كتلتها التصويتية قد تحبذ ذلك الخيار برغم وجود مواقف مختلفة. وعن تلك النسبة المحدودة التي خالفت التوقعات بتفضيلها ترامب في تصويتها عام 2020 قال الأستاذ عبد الجواد إن الأمر مربكٌ نوعا.
“برغم أن الشغل الشاغل لأعضاء الميم-ع هو واقعهم وخصوصية قضيتهم، لكن أحيانا عندما يصوتون، يصبح الأمر معقدًا موضحا أنه يمكن للقضايا الاقتصادية التقليدية أن تشغلهم وتحفزهم مثل أي ناخب آخر إذ لا تزال السياسات الاقتصادية هي المحرك الرئيسي للعديد من الناخبين”.
وعما إذا كان العبث بأي مكتسبات لتلك الفئة هو أكبر مخاوفها أجاب بالإيجاب مشيرا إلى قلقهم حيال مساعي الولايات التي يحكمها الجمهوريون لكبح حصولهم على المزيد من الحقوق.
Source link
اضف تعليقك