OnNEWS

كردفان على فوهة الانفجار.. لغز تداعيات هجليج يزداد تعقيدا


وتكتسب أهمية الحدث بعداً مضاعفاً حين يُقرأ في ضوء تسلسل العمليات الميدانية الأخيرة، ولا سيما سقوط الفاشر وما ترتّب عليه من تحولات في خرائط السيطرة غرباً وجنوباً.

وفي حديثه لـ”التاسعة” على سكاي نيوز عربية، قدم الكاتب والباحث السياسي السوداني ماهر أبو الجوخ قراءة تفصيلية لمسار هذه التطورات، كاشفاً عن شبكة مترابطة من الانعكاسات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية التي تجعل السيطرة على هجليج نقطة انعطاف واضحة في مسار الصراع.

أهمية هجليج في معادلة الحرب

يشير أبو الجوخ إلى أن أهمية هجليج تنطلق من محورين أساسيين:

الأول اقتصادي، لارتباط المنطقة بإنتاج النفط وتضمّنها عشرات الآبار ومحطة المعالجة المركزية لنفط غرب كردفان وجنوب السودان، إضافة إلى مناجم الذهب والعائدات التي كانت تموّل الجهد الحربي للجيش.

الثاني عسكري، باعتبار هجليج آخر النقاط الاستراتيجية التي ظل الجيش يحتفظ بها في غرب كردفان، ما يجعل سقوطها ضربة مزدوجة: خسارة جغرافيا واسعة ومورد تمويلي رئيسي.

ويرى أبو الجوخ أن سيطرة الدعم السريع لا يمكن فصلها عن التطورات التي أعقبت سقوط الفاشر، التي شكلت “الهزة الارتدادية” التي أطاحت لاحقاً ببانوسة، ومن ثم اللواء 90 التابع للفرقة 22، التي كانت تشكّل خط الدفاع الأهم عن هجليج. ومن ثم بدا تقدم الدعم السريع على الحقل النفطي تحصيلاً لنتائج تراكمية في مسار العمليات.

تطورات الميدان.. من الفاشر إلى هجليج

يوضح أبو الجوخ أن مسار السيطرة بدأ عملياً بعد انتهاء الدعم السريع من حسم معركة الفاشر، التي كانت الأكثر استنزافاً لقواته.

فمع تحرّر الجزء الأكبر من هذه القوات، أُعيد نشرها بسرعة نحو بؤر توتر جديدة، وفي مقدمتها بابنوسة التي كانت محاصرة منذ بداية الحرب.

وبعد سقوطها، انتقلت القوات مباشرة نحو هجليج، مستفيدة – كما يقول – من أشهر من التضييق المتواصل على المنطقة، ومن اتهامات سابقة للجيش باستخدام مطار هجليج لإطلاق الطيران المسيّر.

ويضيف أن هذا التقدم ترافق مع توسع في نطاق عمليات الدعم السريع في غرب كردفان وجنوبها، نتيجة كثافة انتشار قواته في الإقليم، وتوظيفه للتحالف العسكري – السياسي مع الحركة الشعبية-شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، الأمر الذي ظهر في تصعيد العمليات بمحور جنوب كردفان.

كردفان.. بوابة المعارك القادمة

بحسب تحليل أبو الجوخ، فإن التطورات تشير إلى أن الدعم السريع يتجه الآن لتركيز جهوده نحو أكبر معاقل الجيش في جنوب كردفان: الدلنج وكادوقلي. ويعدهما هدفين مباشرين في المرحلة التالية، نظرا إلى ثقلهما العسكري ودورهما في حماية خطوط انتشار الجيش.

كما يضع أبو الجوخ مدينة أبو جبيهة ضمن قائمة الأهداف المحتملة، إذ إنها إحدى أهم الحاميات خارج الأبيض، والسيطرة عليها يعني – كما يرى – خنق المدينة الاستراتيجية وقطع عمقها العسكري.

ويشير إلى أن الدعم السريع يسعى إلى توظيف “الدفعة المعنوية” الناتجة عن انتصاراته المتتالية، و”المرونة الميدانية” التي اكتسبها بعد تحرر قواته من جبهة الفاشر، لتعزيز انتشاره في مساحات أوسع. وبذلك، يعمل على بناء موقع سياسي وتفاوضي متقدم قبل أي هدنة أو تسوية محتملة.

الأبعاد الاقتصادية.. تأثير محدود لكن رمزيته عالية

يرى أبو الجوخ أن السيطرة على هجليج تحمل بعداً اقتصادياً مهماً، لكن تأثيرها المباشر على قدرات الجيش النفطية ليس كبيراً كما قد يبدو، وذلك لأن إنتاج هجليج تضرر أصلا بعد تدمير مصفاة الخرطوم.

ومع ذلك، تبقى الأهمية مضاعفة بسبب ارتباط الحقل بتصدير نفط جنوب السودان، الذي يمر عبر الأراضي السودانية، ما يجعل تحولات السيطرة جزءاً من معادلة الضغط الدبلوماسي بين الخرطوم وجوبا.

ويشير إلى أن الأثر الحقيقي يظهر في المستويات العسكرية والدبلوماسية والمعنوية، إذ يمنح الحدث الدعم السريع نقطة قوة إضافية في تموضعه الاستراتيجي، بينما يفاقم الضغط على الجيش الذي يواجه تراجعاً في مساحات الانتشار وقدرات التمويل.

البعد الدبلوماسي.. ورقة نفطية حساسة

يلفت أبو الجوخ إلى حساسية فض “التفاهم غير المعلن” الذي حكم الطرفين خلال العامين الماضيين، والقاضي بتجنب الصراع في مناطق إنتاج النفط مراعاة لجنوب السودان.

وكسر هذا العرف – في رأيه – مؤشر إلى تصعيد جديد في العلاقة بين الجيش والدعم السريع، وتغيير قواعد الاشتباك في مناطق تلامس مصالح إقليمية.

ومن شأن هذا التحول أن ينعكس على الاتصالات الدبلوماسية، حيث يشكل النفط أحد أدوات الضغط غير المباشرة في العلاقة مع جنوب السودان، الذي يعتمد على خطوط التصدير عبر السودان.

انعكاسات معنوية على الطرفين

يرى أبو الجوخ أن سقوط هجليج بعد الفاشر يمنح الدعم السريع زخماً معنوياً، ويعزز سرديته العسكرية والسياسية، بينما يوجه إلى الجيش “أثراً معنويّاً سلبياً” يصعب تجاهله. إذ يواجه الأخير خسارة متتابعة لمواقع استراتيجية، وتراجع قدرته على حماية ما تبقى من نقاط نفوذ في غرب وجنوب كردفان.

المشهد العام.. حرب مفتوحة بانتظار هدنة 

في قراءته لمسار الهدنة، يرى أبو الجوخ أنها لم تنهَر، لكنها “متعسّرة” بفعل التطورات الميدانية، وأن الطرفين يوظفان هذا التوقف في المفاوضات لتحسين موقعيهما العسكري والسياسي.

وبرغم ما يشهده الميدان من تحولات متسارعة، يتوقع أن المسار سيستمر، وأن الهدنة ستعود في لحظة ما، لكن بشروط ومعطيات جديدة يفرضها الطرف الأكثر تقدماً على الأرض.

يضع تحليل ماهر أبو الجوخ سيطرة الدعم السريع على هجليج في إطار تحول مركب يمزج بين الميدان والاقتصاد والسياسة.

وهو تحول لا يقتصر على خسارة الجيش لحقل نفطي استراتيجي، بل يتعداه إلى إعادة تشكيل خريطة السيطرة في غرب وجنوب كردفان، وتعزيز موقع الدعم السريع قبل أي تسوية محتملة.

وفي ظل اتساع رقعة العمليات وتزايد الضغط على حاميات الجيش، يبدو أن الحرب تتجه إلى مرحلة أكثر كثافة، ما لم تُستأنف مسارات التهدئة بمرجعيات جديدة تواكب هذا التغيّر في ميزان القوى.




Source link

اضف تعليقك

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.