قبل اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011، كانت العلاقات بين الإمارات وسوريا تتسم بالتعاون الاقتصادي، والتبادل الثقافي، والانخراط الدبلوماسي. ويشارك البلدان في عضوية جامعة الدول العربية وغالباً ما توافقا في سياساتهما تجاه القضايا التي تؤثر على العالم العربي.
وتميزت العلاقات الاقتصادية بالقوة، حيث استثمرت الشركات الإماراتية في مشاريع العقارات والبنية التحتية في سوريا. كما كانت الإمارات وجهة للعديد من المغتربين السوريين، مما عزز الروابط الشعبية. وفي عام 2008، قام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة أبو ظبي، مما أكد أهمية العلاقات الثنائية.
وفي تقرير لوكالة الأنباء السورية سانا صادر في مارس/ آذار من عام 2008 تحت عنوان “سوريا والامارات..علاقات متميزة”، قال التقرير إن العلاقات المميزة التي تربط سوريا ودولة الإمارات العربية المتحدة ترتكز على ثوابت مشتركة كرسها البلدان الشقيقان لتعزيز التعاون المشترك.
وأشار التقرير إلى أن البعد العربي يشكل أولوية رئيسية فى سياسة البلدين اللذين أديا دوراً مهما فى كل الظروف الصعبة التي عاشتها المنطقة فى العمل من أجل وحدة الصف العربى لمواجهة وتوفير متطلبات الأمن والاستقرار فى المنطقة.
الثورة السورية
ومنذ اندلاع الثورة في سوريا عام 2011، شهدت العلاقات السورية الإماراتية تحولًا كبيرًا. ففي الوقت الذي كانت فيه العلاقات بين البلدين تشهد قطيعة تامة، فإن السنوات الأخيرة من العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين شهدت تطورًا جديدًا على مستوى الدبلوماسية والتعاون بين دمشق وأبوظبي.
فمع بداية الثورة السورية، كانت الإمارات ضمن الدول التي دعمت بقوة مطالب الشعب السوري في الحرية والعدالة الاجتماعية.
ومع تصاعد العنف في سوريا وبدء تصعيد المواقف الإقليمية والدولية ضد النظام السوري، اتخذت الإمارات موقفًا واضحًا ضد حكم الرئيس بشار الأسد. وعلى الرغم من أن الإمارات كانت من الدول التي سعت إلى دعم الشعب السوري، فقد تبنت موقفًا مختلفًا عن بعض الدول العربية الأخرى، مثل قطر والسعودية، إذ لم تندفع نحو دعم المعارضة المسلحة بشكل كامل، بل فضلت دعم الحلول السياسية التي تضمن وحدة سوريا.
لكن، بحلول عام 2013، بدا أن الإمارات بدأت تدرك أن التورط العسكري والدعم اللامحدود للمعارضة قد يؤديان إلى فوضى أكبر في المنطقة مما دفعها إلى تبني سياسة أكثر تريثًا وحذرًا بدلاً من تأييد المعارضة.
تغير الأولويات
بحلول عام 2014، تغير الوضع في سوريا بشكل كبير حيث تدفق آلاف المقاتلين الأجانب إلى البلاد، وأصبح الصراع أكثر تعقيدًا مع ظهور جماعات متطرفة مثل “تنظيم الدولة الإسلامية”. ومع اشتداد الصراع، بدأ يظهر بوضوح أن التدخل العسكري الخارجي، سواء من قبل إيران أو تركيا أو حتى روسيا، بدأ يشكل تهديدًا لأمن المنطقة.
وفي تلك الأثناء، اتخذت الإمارات قرارًا استراتيجيًا جديدًا وهو دعم استقرار سوريا في ظل حكم بشار الأسد، وذلك في محاولة لمنع تفشي نفوذ القوى التي كانت تعتبرها تهديدًا لها.
وفي عام 2018، قررت الإمارات إعادة فتح سفارتها في العاصمة السورية دمشق، في خطوة سياسية لافتة شكلت مؤشراً على تغير جوهري في سياستها تجاه سوريا. وكانت هذه الخطوة بمثابة إعلان ضمني عن اعتراف الإمارات بالنظام السوري “في إطار مساعيها للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة”.
وكانت 2019 نقطة فارقة في العلاقات السورية الإماراتية، حيث بدأت الإمارات تفتح أبواب التعاون مع دمشق على مختلف الأصعدة. في هذه المرحلة، كانت الإمارات تهدف إلى إحداث توازن إقليمي من خلال تعزيز علاقاتها مع سوريا من جهة، وفي الوقت نفسه تعزيز مواقفها أمام القوى الإقليمية مثل تركيا وإيران.
وفي عام 2020، بدأ التعاون الإماراتي مع سوريا يتخذ طابعًا اقتصاديًا أكثر وضوحًا، فقد بدأت الشركات الإماراتية في التوسع داخل سوريا، وخاصة في مجالات النفط والإعمار، وفي هذا السياق، توقعت دمشق أن يكون للإمارات دور كبير في إعادة بناء ما دمرته الحرب.
لكن التغيير الأبرز في هذه العلاقة حدث عام 2022، عندما زار الرئيس بشار الأسد دولة الإمارات في أول زيارة رسمية له لدولة عربية منذ بداية الحرب.
وكانت هذه الزيارة خطوة كبيرة نحو تطبيع العلاقات بين البلدين، حيث رحب الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي حينئذ، بالأسد، وأكد على أهمية تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، بما في ذلك إعادة الإعمار والتعاون الاقتصادي.
وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الإمارات من بين الدول التي تساهم بشكل فعال في عملية إعادة الإعمار في سوريا، فقد قدمت أبوظبي دعمًا ماليًا وفنيًا في مختلف القطاعات، بما في ذلك البنية التحتية والطاقة.
تحديات
ولكن رغم هذه المشاريع الاقتصادية، ظل التحدي الأكبر هو قدرة سوريا على تجاوز العقوبات الغربية التي ما زالت مفروضة عليها، وهو ما قد يعوق قدرة دمشق على الاستفادة الكاملة من الدعم العربي.
كما كانت هناك أيضا قضايا مثيرة للجدل، أبرزها قضية تجارة “الكبتاغون” التي كانت تؤثر سلبًا على سمعة النظام السوري في العالم العربي، خاصة في دول الخليج. فقد كانت الإمارات من بين الدول التي بدأت تشعر بالقلق إزاء حجم تجارة المخدرات التي تمر عبر سوريا.
إضافة إلى ذلك، فإن تحالف سوريا الوثيق مع إيران كان يثير مخاوف في الإمارات، حيث ترى أبوظبي أن النفوذ الإيراني في سوريا يشكل تهديدًا للأمن الإقليمي، خاصة في مناطق الخليج.
ومع ذلك، فإن الإمارات كانت تسعى إلى إيجاد توازن دبلوماسي يتماشى مع مصالحها الاستراتيجية، إذ حاولت ألا تكون مواقفها تجاه النظام السوري متوافقة بالكامل مع تحالفاتها مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة أو المملكة العربية السعودية.
وبعد عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها حماس ضد إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2023 وما تبعها من إعلان حزب الله اللبناني، حليف الأسد، عن فتح جبهة إسناد غزة لوحظ عدم انخراط النظام السوري في هذه المواجهة. وقد سلطت صحيفة “الأخبار” اللبنانية مؤخرا الضوء على ما وصفته بـ”إغراءات” الإمارات لإقناع الرئيس السوري بشار الأسد، بالتخلي عن تحالفه مع إيران وحزب الله.
إعادة التأهيل العربي
مع بداية عام 2024، كانت الإمارات قد لعبت دورًا بارزًا في إعادة تأهيل سوريا على المستوى العربي. ففي مايو/ آيار من عام 2024، عادت سوريا إلى جامعة الدول العربية بعد أكثر من 10 سنوات من تعليق عضويتها.
وعلى الرغم من أن هذه الخطوة قوبلت بانتقادات من بعض القوى الغربية، التي اعتبرت أن هذا التقارب قد يعزز النظام السوري دون تحقيق أي تقدم في حل الأزمة السورية، إلا أن الإمارات كانت ترى في هذا التحرك فرصة لإعادة دمشق إلى الحضن العربي، وضمان عدم استمرار تهميشها من قبل المجتمع الدولي.
وفي مايو/ آيار الماضي أيدت الحكومة السورية بياناً خرجت به قمة الجامعة العربية في البحرين يقضي بتعزيز”سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث” في الخليج، في إشارة إلى جزر أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى. وقد أثار هذا الموقف غضب وسائل الإعلام الإيرانية.
التطورات الأخيرة
في الأيام الأخيرة، حققت قوات المعارضة في سوريا مكاسب ميدانية كبيرة، بما في ذلك السيطرة على مدن استراتيجية مثل حلب وحماة.
وفي هذا الإطار، أعربت الإمارات عن وقوفها إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد حيث أكد الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للرئيس السوري خلال اتصال هاتفي “تضامن بلاده مع سوريا ودعمها في محاربة الإرهاب والتطرف”، مُشددا على موقف الإمارات “الداعم لجميع الجهود والمساعي المبذولة لإيجاد حل سلمي للأزمة السورية، بما يحقّق تطلعات الشعب السوري الشقيق، إلى الاستقرار والتنمية ويضمن وحدة سوريا وسيادتها على كامل أراضيها”.
Source link
اضف تعليقك