#منوعات
كارمن العسيلي
اليوم
لا يمكننا التحكم في الماضي، لكننا نستطيع التأثير في المستقبل؛ فنحن الجيل الذي يشهد تغيرات بيئية هائلة، تتطلب منا أن نكون أكثر وعياً ومسؤوليةً، تجاه مستقبلنا، ومستقبل كوكبنا. إن أمامنا، الآن، فرصة كبيرة؛ لنكون جزءاً من الحل. وقد رسمت لنا الأمم المتحدة رؤية مستقبلية، عبر وضع 17 هدفاً طموحاً؛ للحفاظ على كوكب الأرض، وجعله أكثر صحةً وسعادةً.. فأين نحن، اليوم، من تحقيق هذه الأهداف؟!
من بين أهداف التنمية المستدامة الـ17، التي حددتها الأمم المتحدة، يبرز الهدف الـ11، الذي يعمل على بناء مدن مستدامة، تلبي احتياجات السكان بشكل شامل وآمن وصحي، مع توفير بيئات قادرة على الصمود أمام التحديات البيئية والاجتماعية. ومع تحول أكثر من نصف سكان العالم إلى العيش في المدن؛ أصبحت الحاجة ملحة لضمان توفير بنية تحتية متكاملة، تشمل: الإسكان المستدام، والنقل العام الميسر، والمناطق العامة الخضراء، ونظم إدارة النفايات؛ للحفاظ على بيئة نقية، تعزز جودة الحياة للجميع.
لكن، ماذا يعني كل ذلك، ولماذا يعتبر الهدف الـ11 مهماً؛ للحفاظ على مستقبل كوكب الأرض؟
إن التحضر السريع يطرح تحديات كبيرة، بما في ذلك: تلوث الهواء، وضعف البنية التحتية، وعدم المساواة الاجتماعية. ولتحقيق المدن المستدامة وفق الهدف الـ11، يتعين على الدول مواجهة هذه التحديات بتطوير مناطق حضرية، تدعم بيئات معيشية عالية الجودة، ومستدامة، للجميع. فهدف التنمية المستدامة رقم (11)، ضروري لإنشاء مدن لا تقتصر على كونها صالحة للعيش فحسب، بل أيضًا صديقة للبيئة، ومزدهرة اقتصاديًا، وعادلة اجتماعيًا. ومن خلال العمل على تحقيق هذا الهدف؛ يمكن ضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة.
محاور الهدف الـ11
عندما نتحدث عن إنشاء مدن مستدامة وذكية، نقصد بذلك السعي إلى توفير بيئة غنية بالمساحات الخضراء، والبنى التحتية الصديقة للبيئة، والطاقة النظيفة، فضلاً عن وسائل نقل مستدامة.. وهذه كلها في جوهر الهدف الـ11، الذي يتناول محاور حيوية عدة؛ لتحقيق الاستدامة في المدن، مثل:
– الإسكان الملائم، الذي يقضي بتوفير وحدات سكنية آمنة، وبأسعار معقولة للأفراد كافة.
– النقل المستدام، ويشمل تيسير وسائل النقل العام؛ لتقليل الاعتماد على المركبات الشخصية.
– إدارة الهواء والنفايات؛ لخفض نسبة التلوث، وإدارة المخلفات بطرق صديقة للبيئة.
– المساحات الخضراء العامة والشاملة، التي تتيح للجميع الاستمتاع بالبيئة الطبيعية.
– التصدي للكوارث، من خلال تعزيز قدرة المدن على تحمل الكوارث الطبيعية، وتغير المناخ.
وهذه المحاور تعتبر أساساً؛ لضمان إنشاء مدن تتسم بالرفاهية المستدامة، وتحقق التوازن بين احتياجات السكان وحماية البيئة، وهو ما نجحت في تحقيقه دولة الإمارات، باستراتيجيتها ومشاريعها العديدة.
دور الإمارات في تحقيق الهدف الـ11
تبنت دولة الإمارات العربية المتحدة رؤية ريادية طموحة؛ جعلتها في طليعة الدول التي تحقق أهداف التنمية الحضرية المستدامة، متجسدةً في التزامها القوي بالهدف الـ11 من أهداف التنمية المستدامة. فقد وضعت الإمارات خططًا وسياسات مبتكرة؛ لضمان توازن بيئي وتنموي، يعزز جودة الحياة لسكانها، ويرتقي بمستوى الاستدامة البيئية، والقدرة على الصمود أمام تحديات المستقبل.
وخطوات الإمارات في هذا المجال لم تكن مجرد وعود، فقد تحولت إلى واقع ملموس من خلال تطوير مدن ذكية ومتقدمة تقنيًا، تراعي المعايير البيئية، وتحتضن الابتكارات التكنولوجية. هذه الجهود مكّنت الإمارات من تحقيق إنجازات بارزة، مثل: تصدر مدينتَيْ: أبوظبي ودبي قائمة أذكى مدن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفقًا لمؤشر المدن الذكية لعام 2021، الصادر عن (IMD)، حيث احتلت أبوظبي المرتبة الأولى في المنطقة، تليها دبي في الثانية، إلى جانب تقدمهما عالمياً إلى المركزين الـ28 والـ29، بين 118 مدينة.
وقد أطلقت الدولة العديد من المبادرات البارزة في هذا المجال، منها: «استراتيجية الإمارات للطاقة النظيفة 2050»، التي تهدف إلى تعزيز الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وتشجيع استخدام الطاقة النظيفة بأنواعها، والابتكار والاستثمار في قطاع تكنولوجيا الطاقة، كما هناك «البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة»، الذي يسعى إلى تحسين جودة الحياة على مستوى الدولة في القطاعات كافة، بتنسيق الجهود، وتحقيق التكامل بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص؛ لمواءمة خططها وبرامجها ومبادراتها وسياساتها لأجندة الاستراتيجية الوطنية لجودة الحياة 2031.
هذه الجهود تؤكد التزام الإمارات بتعزيز بيئة حضرية، تتماشى مع أعلى معايير الاستدامة العالمية، وتلبي احتياجات الأجيال الحالية، والمستقبلية.
أبرز المبادرات الإماراتية
• مدينة «مصدر».. قلب نابض للاستدامة
تعد مدينة «مصدر» في أبوظبي من أبرز الأمثلة على المدن المستدامة، فهي لا تعرف التلوث؛ وتعتمد كليًا على مصادر الطاقة المتجددة، فكل منزل بها يتغذى من الطاقة النظيفة المُولدة من أشعة الشمس، كما تمتلك أحد أضخم التجهيزات الكهروضوئية في منطقة الشرق الأوسط. وتتبنى مدينة «مصدر» حلولَ تنقلٍ صديقة للبيئة، تسهم في تقليل انبعاثات الكربون، وتعتمد تصميماً معمارياً يتناغم مع الطبيعة. ناهيك عن توفيرها مساحات خضراء، ومسارات مخصصة للمشاة، والدراجات الهوائية. هذه المدينة، التي يمكن وصفها بأنها «القلب النابض للاستدامة» في الإمارات، لا تقدم نموذجاً للعيش المستدام فحسب، بل تعد أيضاً مختبراً حياً لاختبار أحدث التقنيات الخضراء؛ لتكون مصدر إلهام للمدن حول العالم.
• الحكومة المتكاملة.. خدمات سلسة ورؤية مبتكرة
تمثل الحكومة المتكاملة، في أبوظبي، نموذجًا متقدمًا، يعكس التزام الإمارة بالكفاءة والابتكار في الخدمات الحكومية، ما يضعها في مقدمة المدن الذكية عالميًا. وتعتمد هذه الرؤية على دمج التكنولوجيا الحديثة، والتعاون بين الجهات الحكومية؛ لتقديم خدمات متكاملة وسلسة، تعزز جودة حياة المواطنين والمقيمين. وترتكز الحكومة المتكاملة على مبادئ: الشفافية، والكفاءة، والابتكار، وتستخدم تقنيات، مثل: الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، وإنترنت الأشياء؛ لتحليل البيانات، واتخاذ قرارات مدروسة، ما يحسن السياسات والخدمات العامة. وتُعد منظومة شاملة، تهدف إلى تطوير الكفاءات البشرية، وضمان الاستدامة والتكيف مع التحديات المستقبلية؛ لتقديم أفضل الخدمات بطرق مبتكرة.
• مشاريع الإسكان المستدام
طبقت الإمارات أنظمة بناء خضراء، تضمن كفاءة الطاقة، مثل: برنامج «استدامة» في أبوظبي، ونظام «السعفات» في دبي؛ لتحفيز المباني على استخدام مواد صديقة للبيئة، وتطبيق معايير توفر الطاقة. كما تعمل على تقديم حلول إسكان ميسرة، وصديقة للبيئة، تلبي احتياجات السكان، وتوفر مساحات معيشية عالية الجودة.
• النقل العام.. والتنقل الأخضر
استثمرت الإمارات في مشاريع نقل عامة مستدامة، مثل: مترو دبي، وشبكات الحافلات العامة في مختلف المدن؛ لتقليل التلوث والانبعاثات. كما تشجع على استخدام الدراجات الهوائية، بتوفير مسارات خاصة لها، والسيارات الكهربائية والهجينة، من خلال توفير محطات شحن منتشرة في أنحاء الدولة، وتقديم حوافز للسكان للتحول إلى السيارات الصديقة للبيئة، كما توفر مسارات مشي خضراء، تشجع على نمط حياة صحي ومستدام. يشار إلى أن أبوظبي أطلقت خدمة «الحافلات الخضراء»، التي تتضمن أسطولاً من الحافلات، يعمل بالهيدروجين النظيف، والطاقة الكهربائية؛ بهدف تقليل بصمة الإمارة الكربونية، والارتقاء بجودة حياة سكانها، ضمن خطة تحويل جزيرة أبوظبي إلى منطقة نقل عام أخضر، بحلول عام 2030.
• اعتماد الطاقة المتجددة
تدرك الإمارات، تمامًا، أهمية التحول نحو الطاقة المتجددة؛ لضمان مستقبل مستدام. وقد أطلقت الدولة العديد من المشاريع الرائدة، مثل: «مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية»، أحد أكبر مشروعات الطاقة الشمسية في العالم. ويهدف هذا المجمع إلى دعم استراتيجية الإمارات للطاقة النظيفة 2050، التي تسعى إلى تشكيل الطاقة المتجددة 50 % من إجمالي استهلاك الطاقة في البلاد. كما تعزز الإمارات جهودها في الاستثمار بمشاريع الطاقة المتجددة عالميًا من خلال شركة «مصدر»، التي تدير مشاريع للطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، في مناطق عدة حول العالم. وتشمل الجهود، أيضًا، مشاريع مثل: محطة الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية، أكبر محطة مستقلة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، ومحطة شمس للطاقة الشمسية بقدرة 100 ميغاواط، التي تعد أول مشروع للطاقة الشمسية المركزة في المنطقة، وتزود أبوظبي بالطاقة النظيفة منذ 2013. كما أن مشروع الطاقة الشمسية المركزة (CSP) في دبي، بسعة 1.000 ميغاواط، يعد الأضخم عالميًا، ويهدف إلى خفض أكثر من 6.5 ملايين طن من انبعاثات الكربون سنويًا. وتساهم مشاريع، مثل: «شمس دبي»، ومشروع الطاقة الشمسية على سطح مبنى «وارنر براذرز»، ومشروع الطاقة الشمسية في «سي وورلد أبوظبي»، في دعم الجهود المستدامة، ما يعزز مكانة الإمارات قائداً في الطاقة المتجددة.
• التأهب للكوارث.. وتغير المناخ
نظراً لمناخها الصحراوي، وضعت الإمارات استراتيجيات عدة؛ للتكيف مع التغير المناخي، من خلال تقنيات تبريد مبتكرة، ومواد عاكسة للحرارة، كما تتبنى حلولاً لإدارة الكوارث، مثل إدارة الأزمات في الفيضانات والجفاف؛ لتعزيز قدرة المدن على الصمود أمام الكوارث.
• المساحات الخضراء
تولي دولة الإمارات أهمية كبرى؛ للحفاظ على البيئة، وزيادة المساحات الخضراء التي تعتبر متنفساً للسكان، وتعزز جودة الحياة، وذلك عبر تشريعات تهدف إلى حماية التنوع البيولوجي والموارد الطبيعية. ففي عام 2018، أصدر مجلس الوزراء قرارًا يمنع الإضرار بالنباتات المحلية والموائل الطبيعية، مثل: قطع الأشجار أو تخريبها، ما يعزز التوازن البيئي. وفي إطار هذه الجهود، تسعى البلديات إلى توسيع المساحات الخضراء، وزراعة الأشجار, وقد زرعت بلدية أبوظبي آلاف الأشجار المثمرة والمزيِّنة، واعتنت بمساحات واسعة من الحدائق. وفي دبي، تمتد المسطحات الخضراء على أكثر من 43 مليون متر مربع، بينما تبلغ في الشارقة 22 مليون متر مربع، وفي عجمان نحو 2.2 مليون متر مربع، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الإماراتية (وام)، في تقرير لها، صدر في 5 ديسمبر 2023. كما ينص دليل وزارة التغير المناخي والبيئة على تشجير الأماكن العامة، باستخدام الإدارة المتكاملة للآفات؛ لضمان بيئة صحية ومستدامة، ما يعكس التزام الإمارات بتعزيز المساحات الخضراء، وتحقيق توازن بيئي مستدام.
Source link
اضف تعليقك