وصفت إسرائيل مؤخراً الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بالـ “شخص غير المرغوب فيه”، ما يعني منعه من دخول البلاد؛ رداً على “عدم إدانته الهجوم الصاروخي الإيراني”، الذي وصفه وزير الخارجية الإسرائيلية يسرائيل كاتس بـ”الهجوم الإجرامي”.
يأتي هذا التصعيد الإسرائيلي تجاه غوتيريش بعد إدانة الأخير “اتساع رقعة النزاع في الشرق الأوسط” مندداً بـ”التصعيد وراء الآخر” في المنطقة، في إشارة إلى الهجوم الإيراني على إسرائيل مساء الثلاثاء، دون إدانته بشكل واضح، بحسب ما رآه كاتس.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية توقعت، في وقت سابق، أن يقرر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مقاطعة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وذلك بعد عدم طلب نتنياهو عقد لقاء مع غوتيريش خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي عُقدت قبل نحو أسبوعين في نيويورك، معتبرة أن السبب الرئيسي في ذلك يعود إلى “الاستياء الإسرائيلي من مواقف وتصريحات غوتيريش حول إسرائيل منذ بداية الحرب في قطاع غزة” قبل عام.
ويعد اللقاء بين نتنياهو وغوتيريش على هامش الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة “تقليداً متعارفاً عليه”، يناقش خلاله الطرفان التطورات في المنطقة.
وما أثار حفيظة إسرائيل وأشعل التوتر تجاه غوتيريش، تصريحاته الأخيرة خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي حول الوضع في غزة، إذ قال إن “الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تهدد الشرق الأوسط”، مؤكداً التزامه بقرار الجمعية العامة لـ”إنهاء الاحتلال الإسرائيلي” على حد تعبيره.
“عزلة تتعمّق” و”جسور حُرقت”
لم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها من جانب إسرائيل تجاه مسؤولين أمميين، بل سبق ومنعت الحكومة الإسرائيلية، المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في “الأراضي الفلسطينية المحتلة” فرانشيسكا ألبانيز من الحصول على تأشيرة دخول في أبريل/نيسان الماضي، كما اعتذرت أكثر من مرة عن السماح لمسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل من الدخول إليها منذ بدء الحرب في غزة في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي، حازم عيّاد، إن إسرائيل “أرسلت مراراً تهديدات لمدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان”، في إشارة إلى إدانة إسرائيل لطلب المدعي بإصدار مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي وقادة حماس.
وأضاف عيّاد أن “خطوة إسرائيل تجاه غوتيريش قد تبدو سابقة، لكن في التاريخ حوادث أشد عنفاً وقسوة”، مستشهداً بـ”اغتيال فولك برنادوت، الوسيط الأممي في قضية فلسطين في 17 سبتمبر/أيلول 1948، واتهام أعضاء في منظمة شتيرن المكونة من أعضاء يهود بالتورط في العملية”.
ويرى عيّاد أن إسرائيل تسعي بقرارها “إلى الإطاحة بغوتيريش مع انتهاء ولايته عام 2026 لتأتي بأمين عام أقل انتقاداً لسياساتها”، غير أن عيّاد لا يتوقع أن يولّد القرار الإسرائيلي أي ردّة فعل دولية، خاصة من حلفاء إسرائيل.
لم تكن التصريحات الأخيرة لغوتيريش وحدها سبباً للقرار الإسرائيلي باعتبار غوتيريش غير مرغوب فيه على أراضيها، بل تصاعدت حدة التوتر بين الطرفين في ديسمبر/كانون الأول 2023، عندما أرسل الأمين العام للأمم المتحدة خطاباً إلى رئيس مجلس الأمن يفعّل فيه – للمرة الأولى – المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، وذلك بعد “ثمانية أسابيع من الأعمال العدائية في غزة وإسرائيل”.
وخلال ستة أشهر، جاءت الأمم المتحدة بقرارها الذي أدرج ولأول مرّة “الجيش الإسرائيلي” ضمن “قائمة العار” التي تضم الأطراف المتحاربة “التي ترتكب انتهاكات جسيمة ضد الأطفال” في النزاعات المسلحة.
هذا القرار أثار غضب إسرائيل على الرغم من أنه لم يشملها فقط، بل أضاف غوتيريش إلى القائمة أيضاً كتائب عز الدين القسام التابعة لحركة حماس وسرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، عازياً القرار إلى “قتل وتشويه الأطفال واختطافهم”.
ولا يتوقع عيّاد أن تتعامل الأمم المتحدة مع قرار إسرائيل بالمثل، “لأن منع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من حضور اجتماعاتها خارج صلاحياتها، ولكنّها تملك الحق في عدم الاستماع لخطاباته”.
من جانبه يرى المحلل السياسي والدبلوماسي الإسرائيلي السابق مائير كوهين أن نسبة الإدانات التي تصدر عن الأمم المتحدة لإسرائيل فاقت كل ما يجب، وتجاوزت ما يصدر تجاه الدول الأخرى وعلى رأسها إيران، مشيراً إلى أن تغاضي الأمم المتحدة على أفعال إيران في سوريا، والتركيز على إدانة إسرائيل دليل واضح على “النوايا السيئة” تجاه إسرائيل وشعبها.
ويقول كوهين إن غوتيرش يأخذ موقفاً متحيزاً تجاه إسرائيل، وهي أول مرة “لا يقف فيها مسؤول أممي موقف الحياد فيما يتعلق بالقضايا الدولية”، معتبراً أن ما تقوم به إسرائيل في المنطقة هو “حق مشروع” للحفاظ على وجودها والدفاع عن نفسها، وليست “مسألة عابرة” كما يراها غوتيريش.
واتهم الدبلوماسي الإسرائيلي السابق غوتيريش بمحاولة الحصول على ولاية أخرى من خلال حصد أغلبية أصوات المجلس، الذي يضم “أغلبية معادية” لإسرائيل، لكن الأطراف الدولية الحليفة لإسرائيل وعلى رأسها الولايات المتحدة ستمنعه من ذلك على حد قوله.
لكن، هل يمكن أن تتراجع إسرائيل عن قرارها؟، يُجيب الكاتب والمحلل السياسي حازم عياد بالقول إن إسرائيل “قد تذهب نحو دفع غوتيريش إلى تقديم استقالته، ولن تتوقف عن مهاجمته ومحاولة محاصرته”، معتبراً أن هذه الخطوة “بداية تصعيد لاستهداف غوتيريش، وأن إسرائيل تستند في ذلك إلى القوة والدعم الغربي فقط”.
أما المحلل السياسي والدبلوماسي الإسرائيلي السابق مائير كوهين فيرى أن “الجسور حُرقت” بين الأمم المتحدة والشعب الإسرائيلي، مستبعداً عودة إسرائيل عن قرارها تجاه غوتيريش أو حتى مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل.
ترحيب ثم جدال ومنع
زار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الشرق الأوسط أربع مرات منذ توليه منصبه، واحدة منها كانت إلى إسرائيل، فيما جاءت الزيارات الأخرى لتشمل مصر والعراق ولبنان والأردن وقطر.
وكانت الزيارة الأولى للمنطقة إلى إسرائيل في 28 أغسطس/آب 2017، والتقى حينها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ولاقت الزيارة ترحيباً اسرائيلياً حينها، ورأت فيها إسرائيل حينها “فرصة عظيمة للأمين العام ليختبر إسرائيل ويلتقي قادتها ويفهم التحديات التي تواجهها بين يوم وآخر”، بحسب ما ذكر سفير إسرائيل في الأمم المتحدة داني دانون آنذاك.
وشملت تلك الزيارة أيضاً الأراضي الفلسطينية وغزة ثم العراق.
أما الزيارة الثانية فكانت إلى بيروت في ديسمبر/كانون الأول 2021، والثالثة تضمنت جولة في عدة دول عام 2023، اختتمها في قطر للمشاركة في قمّة أقلّ البلدان نمواً.
أما الزيارة الرابعة جاءت في مارس/ آذار 2024، في أوج الحرب في قطاع غزة، إذ حطّ في مطار العريش بمحافظة شمال سيناء المصرية، ودعا منها إلى وقف إطلاق النار، قبل انتقاله إلى الأردن.
هذه الزيارة أغضبت إسرائيل ودفعتها لوصف الأمم المتحدة بـ”منظمة معادية لإسرائيل تؤوي الإرهاب وتشجعه”، بحسب ما نشر وزير الخارجية الإسرائيلي إسرائيل كاتس على منصة أكس حينها.
الأمم المتحدة وإسرائيل: توتر تاريخي متجدد
وتعود جذور العلاقات المتوترة بين الأمم المتحدة وإسرائيل لعقود، وتستند إلى قضايا محوريّة على رأسها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وحقوق الإنسان.
وبدأ التوتر بين الطرفين عندما اعتمد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379، في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1975 بتصويت 72 دولة بنعم مقابل 35 بلا وامتناع 32 عضواً عن التصويت، حول قرار يحدد “الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري”.
هذا القرار أثار غضب إسرائيل، وهو ما ظهر في خطاب ألقاه السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة حاييم هرتسوغ، في ذات اليوم.
وظل القرار رمزاً للعلاقات المتوترة بين الجانبين حتى تم إلغاؤه في ديسمبر/كانون الأول 1991، إذ جعلت إسرائيل من إلغاء القرار شرطاً لمشاركتها في مؤتمر مدريد 1991 الذي جاء لإحياء عمليات السلام الفلسطينية الإسرائيلية.
وبعد ذلك، جاء قرار مجلس أمن الأمم المتحدة رقم 446 الذي اعتمد في 22 مارس/آذار 1979، الذي نصّ على أن “سياسة إسرائيل وممارساتها في إقامة المستوطنات في الأراضي الفلسطينية والأراضي العربية الأخرى المحتلة منذ عام 1967 ليس لها شرعية قانونية وتشكل عقبة أمام تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط”.
وفي عام 1996، شنّت إسرائيل هجوماً على مقر الأمم المتحدة في قانا، جنوب لبنان، والتي عُرفت بـ”مجزرة قانا الأولى”، وراح ضحيتها أكثر من 110 مدنيين كانوا يحتمون في المقر.
وبعد الحرب على غزة التي استمرت من تاريخ 27 ديسمبر/كانون الأول 2008 حتى 18 يناير/كانون الثاني 2009، أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تقرير غولدستون، لنتائج التحقيق في الحرب الذي حاولت إسرائيل منع تمريره، بعد إشارته إلى أن الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية “ارتكبا ما يمكن اعتباره جرائم حرب، وفي بعض الأحيان، ماقد يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية”، حسبما جاء في تقرير اللجنة.
واعتبرت إسرائيل القرار حينها “منحازاً”، وأدى إلى تصاعد التوتر مع الأمم المتحدة.
في 27 ديسمبر/كانون الأول 2016، تبنّت الأمم المتحدة قرار مجلس الأمن رقم 2334 الذي أدان الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، وهو ما كان نقطة توتر كبيرة بين إسرائيل والأمم المتحدة، إذ رأت إسرائيل أن “الأمم المتحدة تستهدف سياساتها الاستيطانية بشكل غير عادل”.
وانتقد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش استخدام إسرائيل “للقوة المفرطة” في حرب غزة عام 2021، ودعا حينها إلى وقف فوري لإطلاق النار وهو ما عرّضه لانتقادات حادة من قبل مسؤولين إسرائيليين.
وقبل ثلاثة أشهر من اندلاع أحداث السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023، أصدرت لجنة التحقيق المستقلة في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني التابعة للأمم المتحدة تقريراً اتهم إسرائيل بـ”انتهاك حقوق الإنسان في الضفة الغربية وقطاع غزة”، وأدان غوتيريش خطط إسرائيل “لبناء أكثر من 5500 وحدة سكنية في المستوطنات الإسرائيلية” بالضفة الغربية المحتلة.
وخلال الحرب التي تقارب عامها الأول، تصاعد التوتر بين الطرفين، لا سيما بعد مصادقة الكنيست الإسرائيلي على تصنيف منظمة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) “منظمة إرهابية”، ما أثار إدانات أممية ودولية واسعة.
Source link
اضف تعليقك