- Author, أماندا رويجيري
- Role, بي بي سي
تسهم حياتنا الصاخبة والمرهقة في تعزيز شعورنا بالحرمان من النوم، ولكن ماذا لو عرفت أن أفكارنا الذهنية هي المحدد لشعورنا بتجربة نوم جيدة ليلا أم لا؟
والسؤال كيف كانت تجربتك في النوم الليلة الماضية؟ فإذا كنت تتقلب في فراشك أو تحدق في الساعة، فمن المحتمل أنك ستشعر بعدم الراحة، ولكن هذا الشعور بالخمول والتعب قد لا يرجع فقط إلى عدد ساعات النوم أو ربما حتى جودته، بل يعتمد أيضا على أفكارك الذهنية، لأن كل ما تعتقده في اليوم التالي بشأن تجربة نومك وأهميته بالنسبة لك قد يؤثر في مقدار شعورك بالتعب.
وتقول نيكول تانغ، مديرة مختبر “وارويك” للنوم والألم في جامعة وارويك في المملكة المتحدة: “الجميع يعرفون فكرة النوم الجيد وإيجابيته. ويفترضون أنها تعتمد على تجربة النوم ليلا، كما لو كان شيئا يمكن قياسه. بيد أن ما يحدث بعدها، وما يحدث قبلها مباشرة، يمكن أن يكون له تأثير أيضا”.
يرتبط عمل تانغ في هذا المجال بمجموعة أبحاث كثيرة تشير إلى أن النوم طوال الليل ليس هو المفتاح الوحيد للشعور بالانتعاش في صباح اليوم التالي، إذ تقول تانغ وزملاؤها إن تصورنا للنوم، وحالتنا المزاجية عند تقييم شعورنا بالتعب وما نفعله في ذلك الوقت يمكن أن يحدث فرقا.
إن فكرة تأثير الحالة الذهنية بشكل مباشر على تجربة النوم ليست فكرة جديدة، إذ أثبتت عقود من الدراسات أن الحالة النفسية في الواقع هي الدافع الرئيسي وراء الشعور بالأرق، ويتقطع النوم عندما نعاني من شيء يحفز حالتنا النفسية، وهي غالبا مجموعة أفكارنا ومعتقداتنا وطريقة تركيز انتباهنا.
وعلى الرغم من ذلك يفترض كثيرون أنه إذا شعرنا بالتعب، فذلك لأننا ننام بطريقة سيئة، الأمر الذي يجعلنا نتقلب طوال الليل، عاجزين عن الاستسلام لنوع النوم المريح الذي نأمله جميعا.
وعلى مدار عشرات السنين حيّرت العلماء ظاهرة أُطلق عليها “الأرق المتناقض”. ويعرف كثيرون الأرق، ويعتقد الناس أنهم إذا مروا بتجربة نوم سيئة ليلا، فقد يدفعهم ذلك إلى الشعور بالتعب، وعلى الرغم من ذلك عندما يقيسون عدد ساعات النوم بشكل موضوعي، يكتشفون أنه في نطاق المعدل الطبيعي.
ولمزيد من التوضيح نقول إن الأرق ومخاطره المحتملة حقيقة لا جدال فيها، ولا ينكر أحد أنه إذا شعر أحد بالتعب دوما، فلا ينبغي إجراء أي تعديل على النوم، لكن فكرة أن الطريقة التي ننظر بها إلى ليلة نوم سيئة يمكن أن تغير مدى شعورنا بالتعب تعد من الأمور المهمة. وفي أفضل الأحوال يعني ذلك أنك قد تكون قادرا على الشعور باليقظة دون الحاجة إلى تسجيل ساعات إضافية من النوم.
مشكلة النوم
قد يتعارض هذا النهج مع ما يُقال لنا دائما عن النوم، أي أن تسجيل عدد معين من ساعات النوم باستمرار، دون استيقاظ، أمر بالغ الأهمية للصحة، وهي إحدى الأفكار الرئيسية التي تتحكم في صناعة تبلغ قيمتها 78 مليار دولار وأكثر.
يقول الخبراء إن العلاقة الدقيقة بين عدد ساعات النوم وصحتنا على المدى الطويل لا تزال غير واضحة، وتميل دراسات إلى المزج بين الأمرين، حتى عندما نعثر على رابط بينهما. كما تسلط دراسات الضوء عموما على الصلة بين النوم والصحة، بدلا من طرح الأسباب.
بعبارة أخرى، قد تكون قلة النوم سبب المشكلة، أو قد تكون بسبب مشكلة أساسية تمنع شخصا من النوم بطريقة جيدة، فعلى سبيل المثال أولئك الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الجهاز التنفسي، يعانون غالبا من تجربة نوم سيء للغاية.
ويقول ديفيد سامسون، عالم الأنثروبولوجيا التطورية ومدير مختبر النوم والتطور البشري في جامعة تورنتو، ومؤلف كتاب يصدر قريبا بعنوان “القرد الذي لا ينام: القصة الغريبة غير المتوقعة عن كيف جعلنا النوم الاجتماعي بشرا”، إنه خلص وزملاؤه، عن طريق الاستعانة بمقاييس موضوعية مثل قياس النشاط، الذي يراقب دورات النشاط والراحة، إلى أن الأشخاص في مجتمعات الصيد ينامون في الليل مدة تتراوح بين 5.7 و7.1 ساعة مقارنة بالمجتمعات الصناعية، كما أن نومهم أكثر تقطعا.
ويضيف سامسون أن ذلك لا يزعجهم، ويلفت من خلال دراسة مجموعتين في ناميبيا وبوليفيا، إلى أن أقل من 3 في المائة من الأشخاص الذين يبحثون عن الطعام يعانون من صعوبة النوم أو الاستمرار في النوم لساعات طويلة، وهي نسبة أقل من 30 في المائة التي سُجّلت في المجتمعات الصناعية، كما لم يعثر العلماء في لغة المجموعتين عن كلمة “الأرق”.
وعندما سألهم سامسون “هل هم سعداء بنومهم؟ هل هم راضون عن نومهم؟ هل ينامون جيدا؟”، قال 9.5 من 10 أشخاص “نعم، أحب نومي”. وعلى الرغم من ذلك، نعلم أن هؤلاء الباحثين عن الطعام في تلك المجتمعات الصغيرة ينامون ساعات أقل مقارنة بأولئك الذين يعيشون في الدول المتقدمة اقتصاديا.
ويضيف: “يردد الغرب مقولة مفادها أن البشر في الماضي لم يعانوا من الحرمان من النوم مقارنة بهذه الأيام”، ويقول إن هذا غير حقيقي وهراء.
يعد سامسون واحدا من الباحثين الذين يعارضون فكرة تحديد “قواعد” عالمية لعدد ساعات النوم الذي يجب أن نحصل عليه جميعا. وفي مقال أكاديمي حديث شكك باحثون في جامعة أوسلو في فكرة أننا نعاني من “وباء الأرق”، وأشاروا إلى أن تلك التجارب المعملية التي أثارت مخاوف من أن قلة النوم تؤثر على جودة الصحة تختلف تماما عن النتائج الواقعية.
ويقول الباحثون: “يجب اعتبار الحاجة إلى النوم ديناميكية، مع إمكانية التكيف والاستجابة للظروف البيئية، وهذا يعني أنه لا يوجد عدد ساعات مثالية من النوم للفرد في كل المواقف والأوقات. إن ساعات النوم تتفاوت بين الأشخاص كما تتأثر بالعوامل البيئية والثقافية والنفسية والفسيولوجية، ويجب أن تكون متوازنة مع الاحتياجات والاحتمالات المختلفة للسلوكيات”.
القلق من النوم
إن الاعتقاد بوجود طريقة واحدة “صحيحة” للنوم ليس مجرد اعتقاد لا مبرر له، بل يمكن أن يفضي إلى نتائج عكسية.
يميل الأشخاص الذين يعانون من الأرق إلى تبني فكرة راسخة عن النوم (على سبيل المثال: “إذا لم أحصل على سبع ساعات من النوم، سأشعر بالتعب غدا”)، لذا يشعرون غالبا بالخوف على نحو خاص من النوم السيئ ليلا، كما يصبحون أكثر يقظة تجاه الإشارات المتعلقة بالنوم، مثل مراقبة الساعة.
وتقول تانغ إن هذه الأفكار تغذي الشعور بالقلق ليلا، مما يجعل النوم أكثر صعوبة، وبناء عليه تحدث تأثيرا في اليوم التالي. كما يسهم زيادة وعي الشخص بمدى استيقاظه في تفاقم شعوره بأنه مر بتجربة نوم سيئة، وهذا لا يجعله يشعر بمزيد من التعب فحسب، بل يعزز شعوره بالقلق تجاه النوم في تلك الليلة، وهي أفكار لا تستند في الواقع إلى حقائق.
ويميل الذين يعانون من الأرق إلى الاعتقاد بأنهم يحتاجون إلى المزيد من النوم أكثر مما هو ضروري بالفعل، والمبالغة في تقدير تأثير تجربة نوم سيئة على أدائهم.
بناء على ذلك تميل العلاجات التقليدية للأرق إلى التركيز على استراتيجيات سلوكية لتغيير هذه الأفكار وتقليل حدة تأثيرها، مثل ممارسة استرخاء العضلات.
ويقول جيسون أونغ، الباحث في مجال النوم منذ فترة طويلة في جامعة “نورث وسترن” ويشغل الآن منصب مدير طب النوم السلوكي في مؤسسة “نوكس هيلث” لتشخيص النوم في أتلانتا بالولايات المتحدة، إن المشكلة تكمن في مدى ارتباطنا بهذه الأفكار.
ويضيف: “بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من الأرق، فإن الأمر لا يتعلق فقط بحقيقة أنهم يفكرون في أشياء مثل “أحتاج إلى ثماني ساعات من النوم وإلا فلن أتمكن من العمل في اليوم التالي”، بل يتعلق الأمر بمدى تمسكهم بهذه الفكرة”، وركز بحثه على استخدام نهج قائم على تبني اليقظة ويشجع على الابتعاد عن هذه الأفكار.
اليوم التالي
إن التركيز الشديد على النوم لا يجعل من الصعب الحصول على قسط من النوم فحسب، بل قد يعني أيضا الشعور بمزيد من التعب في اليوم التالي، حتى في حالة النوم الجيد.
ويتذكر أونغ مريضا أصر على أنه يحتاج إلى ست ساعات للنوم، وعندما أشار أونغ إلى عدد ساعات نوم هذا الشخص في إحدى الأيام وأنه نام خمس ساعات، قال له إن ذلك كان خلال الصيف، ولم يدرك المريض إلا لاحقا، أنه نام 5.5 ساعة، وليس 6.5، الأمر الذي جعله يشعر بالتعب بعدها.
ويقول أونغ: “قلت له مجرد معرفتك بأنك نمت ساعة واحدة زيادة أو أقل غيّرت شعورك بقية اليوم؟ فهل من المهم فعلا عدد ساعات النوم التي حصلت عليها، أم مقدار النوم الذي تعتقد أنك حصلت عليه؟”
وقد يعني ذلك أيضا أن أجهزة تتبع النوم قد تأتي بنتائج عكسية للشخص في حالة تركيزه عليها، حسبما حذر الباحثون بما في ذلك تانغ وسامسون. لنفترض أننا نستيقظ ونشعر بأننا بخير، لكن ساعتنا الذكية تخبرنا أننا قضينا ليلة نوم أسوأ من المتوسط، فقد نشعر بناء على ذلك بالتعب أكثر مما لو لم تكن لدينا أي معلومات.
وتؤكد بعض الدراسات هذه الفكرة، وتشير واحدة منها، على سبيل المثال، أن الأشخاص الذين يعانون من الأرق حصلوا على ملاحظات أخبرهم فيها الباحثون أنها بيانات نوم مسجلة بساعة ذكية، فجاءت ردود فعل المشاركين متفاوتة وغير حقيقية.
قال الباحثون لنصف المشاركين إنهم لم يناموا جيدا، وقالوا للنصف الآخر إنهم ناموا جيدا، وعندما عادوا في وقت لاحق من اليوم، قالت المجموعة التي قيل لأفرادها إنهم لم يناموا جيدا إنهم شعروا بتعب أكبر، وأقل يقظة، وعانوا من مزاج أسوأ من المجموعة التي قيل لأفرادها إنهم ناموا جيدا.
إن الشعور بالرضا عن النوم، حتى لو لم يكن جيدا بشكل موضوعي، لا يؤثر فقط على مدى شعورنا بالتعب، بل قد يؤثر أيضا على مدى أدائنا الجيد طوال اليوم.
وتلفت دراسة حديثة أيقظ فيها الباحثون مجموعة المشاركين فيها في أحد المختبرات بعد خمس ساعات أو ثماني ساعات من النوم، على مدار ليلتين متتاليتين، وجرى ضبط ساعاتهم لجعلهم يعتقدون عكس ما حدث، وبالفعل اعتقد أولئك الذين ناموا خمس ساعات أنهم ناموا ثماني ساعات، والعكس صحيح.
وبعد خضوعهم للاختبار، كان المشاركون الذين ناموا خمس ساعات واعتقدوا أنهم ناموا ثماني ساعات أسرع في استجابتهم مقارنة بأولئك الذين ناموا ثماني ساعات. أما أولئك الذين ناموا ثماني ساعات، لكنهم اعتقدوا أنهم ناموا خمس ساعات، كانت أوقات استجابتهم أبطأ مقارنة من أولئك الذين ناموا خمس ساعات بالفعل وقيل لهم ذلك.
وتتغير مشاعرنا تجاه ليلة النوم أيضا طوال اليوم، وتقول تانغ: “يمكن أن تتغير الطريقة التي نفكر بها في نومنا، حتى بعد فترة النوم”.
ففي إحدى الدراسات التي شاركت في إعدادها، سُئل المشاركون عدة مرات طوال اليوم عن كيفية نومهم في الليلة السابقة، وعلى الرغم من عدم تغير فترة النوم التي تحدثوا عنها، تغيرت تقييماتهم لها.
نصائح للنوم
إذا كنت تعاني من قلة النوم، فماذا تفعل؟ يقول الخبراء إن جميع النصائح المعتادة تنطبق، على سبيل المثال، على ممارسة ما يعرف باسم عادات النوم الجيدة، والتي تشمل عادة استراتيجيات مثل تجنب تناول الكحول والكافيين والحفاظ على وقت منتظم للنوم.
وعلاوة على ذلك حاول تبني نهج أقل سلبية بالنسبة لتجربة النوم، وذكّر نفسك بأوقات لم تنم فيها تماما ولكنك قضيت خلالها يوما جيدا. وينصح الباحثون بما في ذلك تانغ ودوجلاس وأونغ بعدم السماح لليلة سيئة أن تعطل حياتك أكثر من اللازم، وتجعلك تلغي خططا وضعتها.
كما تشير أبحاث تانغ إلى أن التركيز على الأشياء التي تعزز مزاجك في الصباح قد يساعد أيضا بشكل كبير في تحسين تقييمك لطريقة نومك.
وتقول تانغ إن فهم المزيد بشأن كيفية النوم في الواقع يمكن أن يساعد أيضا. فمعرفة أنه من الطبيعي أن تستيقظ عدة مرات أثناء الليل، على سبيل المثال، يمكن أن يجعل هذا الاستيقاظ أمرا عاديا وغير محبط بالنسبة لك.
وتضيف: “أنا لا أقول إن النوم ليس مهما للصحة البدنية والصحة النفسية بشكل عام. بل هناك ثقافة نرصدها أثناء حديث الناس كثيرا عن مدة النوم، تجعلهم ينسون حقيقة وجود اختلافات فردية، واختلاف الظروف بينهم. وهذا يتسبب في كثير من التوقعات غير الحقيقية والشعور بالإحباط وخيبة الأمل لدى كثير من الناس”.
وهذا ربما يجعلك تشعر بمزيد من التعب، وهو أمر مرهق للغاية.
Source link
اضف تعليقك