- Author, جيسيكا براون
- Role, بي بي سي نيوز
في الماضي، كانت القهوة مرتبطة بزيادة المخاطر الصحية، لكن الأبحاث في العقد الماضي وجدت أن شرب القهوة قد يفيد الصحة بالفعل.
ويعد الكافيين من أكثر المواد المؤثرة على العقل شيوعاً في العالم، فالبشر يشربون القهوة، وهي مصدر طبيعي للكافيين، منذ قرون، لكن كانت هناك دراسات متضاربة حول تأثيرها على صحة الإنسان لعقود من الزمن.
يقول مارك غونتر، أستاذ علم الأوبئة السرطانية في إمبريال كوليدج لندن والرئيس السابق لقسم التغذية والتمثيل الغذائي في الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC): “لطالما كان يُنظر إلى القهوة على أنها شيء سيء”.
“خلصت الأبحاث التي أجريت في الثمانينيات والتسعينيات إلى أن الأشخاص الذين يشربون القهوة لديهم خطر أعلى للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، لكن الأمر تطور منذ ذلك الحين”.
يقول غونتر: “مع ظهور المزيد من الدراسات السكانية واسعة النطاق خلال العقد الماضي، أصبح لدى العلماء بيانات من مئات الآلاف من شاربي القهوة”. لكن ماذا تخبرنا الأبحاث؟ وهل يؤدي استهلاك القهوة إلى فوائد صحية أم مخاطر؟
ارتبطت القهوة بزيادة خطر الإصابة بالسرطان لأنها تحتوي على مادة الأكريلاميد، وهي مادة مسببة للسرطان موجودة في أطعمة بما في ذلك الخبز المحمص والكعك ورقائق البطاطس.
ومع ذلك، خلصت الوكالة الدولية لبحوث السرطان في عام 2016 إلى أن القهوة ليست مسببة للسرطان، إلا إذا شُربت ساخنة جداً – فوق 65 درجة مئوية (149 درجة فهرنهايت).
وفي مراجعة أجريت عام 2023، يقول باحثون: “على الرغم من أن القهوة هي أحد المصادر الرئيسية للأكريلاميد في ألانظمة الغذائية، إلا أنه لا توجد حتى الآن أدلة قوية وحاسمة تُظهر أنها مرتبطة بخطر الإصابة بالسرطان”.
الفوائد الصحية المحتملة لشرب القهوة
وجدت المزيد من الأبحاث أن القهوة قد يكون لها بالفعل تأثير وقائي، وأظهرت بعض الدراسات وجود ارتباط بين شرب القهوة وانخفاض خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان لدى المرضى، على سبيل المثال.
في عام 2017، نشر غونتر نتائج دراسة بحثت في عادات شرب القهوة لدى نصف مليون شخص في أوروبا على مدى فترة 16 عاماً. فكان أولئك الذين شربوا المزيد من القهوة أقل عرضة للوفاة بسبب أمراض القلب والسكتة الدماغية والسرطان.
وتتفق هذه النتائج مع أبحاث في أجزاء أخرى من العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة وأبحاث أحدث في المملكة المتحدة.
ويتحدث غونتر عن إجماع كاف عبر الدراسات الرصدية لتأكيد أن الأشخاص الذين يشربون ما يصل إلى أربعة أكواب من القهوة يوميًا يعانون من أمراض أقل مقارنة بأولئك الذين لا يشربون أياً منها.
قد تذهب الفائدة المحتملة للقهوة إلى أبعد من ذلك. فشاربو القهوة في دراسة غونتر كانوا أكثر عرضة للتدخين واتباع أنظمة غذائية غير صحية مقارنة بأولئك الذين لا يشربون القهوة.
ويشير ذلك إلى أنه: “إذا كانت القهوة تخفض خطر الإصابة بأمراض القلب والسرطان، فقد تكون أقوى مما نعتقد – فهي تتغلب على آثار السلوكيات غير الصحية”.
ووجدت الأبحاث أن القهوة منزوعة الكافيين تحتوي على كميات مماثلة من مضادات الأكسدة الموجودة في القهوة العادية.
ولم يجد غونتر في بحثه أي اختلافات بين صحة الأشخاص الذين يشربون القهوة التي تحتوي على الكافيين وتلك التي لا تحتوي على الكافيين، ما دفعه إلى استنتاج أن الفوائد الصحية المرتبطة بالقهوة ترجع إلى شيء آخر غير الكافيين.
لماذا لا نستطيع أن نعرف حقاً كيف تؤثر القهوة على صحتنا؟
استند كل هذا البحث إلى بيانات السكان، والتي لا تؤكد السبب والنتيجة.
يقول بيتر روجرز، الذي يدرس آثار الكافيين على السلوك والمزاج واليقظة والانتباه في جامعة بريستول، إن “الأشخاص الذين يستهلكون القهوة قد يتمتعون بصحة أفضل من الأشخاص الذين يختارون عدم تناولها”، وذلك على الرغم من عادات نمط حياتهم غير الصحية، كما وُجد في بحث غونتر.
ويقول: “يشير البعض إلى أنه قد يكون هناك تأثير وقائي، وهو أمر مثير للجدل إلى حد ما لأنه يعتمد على أدلة سكانية”.
وفي الوقت نفسه، غالباً ما يعاني الأشخاص الذين يستهلكون القهوة بانتظام من ارتفاع ضغط الدم، مما من شأنه أن يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. لكن روجرز يقول إنه لا يوجد دليل على أن ارتفاع ضغط الدم الناتج عن شرب القهوة يرتبط بارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
وتعد التجارب السريرية التي تبحث في القهوة – والتي يمكن أن تحدد بشكل أفضل فوائدها ومخاطرها – أكثر ندرة من الدراسات السكانية، لكن مجموعة من الباحثين أجروا تجربة لاحظوا فيها آثار شرب القهوة المحتوية على الكافيين على نسبة السكر في الدم.
الدراسة الصغيرة، التي أجراها مركز التغذية والتمارين والتمثيل الغذائي في جامعة باث في إنجلترا، نظرت في كيفية تأثير القهوة على استجابة الجسم للإفطار بعد ليلة نوم متقطعة.
وجدوا أن المشاركين الذين شربوا القهوة، ثم تناولوا مشروباً سكرياً بدلاً من الإفطار، زادت لديهم نسبة السكر في الدم بنسبة 50 في المئة، مقارنة بعدم احتساء القهوة قبل “الإفطار”.
ومع ذلك، يجب أن يحدث هذا النوع من السلوك بشكل متكرر بمرور الوقت حتى تتراكم المخاطر.
ويثير وضع الأشخاص في إعدادات مختبرية السؤال حول مدى صلة النتائج بالحياة الواقعية، ما يشير إلى أنه لا يمكن لأبحاث السكان أو المختبرات تقديم إجابات قاطعة حول كيفية تأثير القهوة على صحتنا.
هل يمكن أن يزيد شرب القهوة من خطر الإجهاض؟
وتعد النصائح المتعلقة باستهلاك القهوة المحتوية على الكافيين مربكة بشكل خاص أثناء الحمل، ووجدت مراجعة لدراسات أجريت عام 2022 وجود صلة بين استهلاك القهوة قبل وأثناء الحمل والإجهاض.
ويشير باحثون في دراسات السكان، إلى إمكانية وجود تفسيرات أخرى للعلاقة التي وجدوها بين استهلاك القهوة والإجهاض. فعلى سبيل المثال، يقولون إن التدخين مرتبط بتناول الكافيين، ومن المعروف أنه يزيد من خطر الإجهاض.
وأجرت إستر مايرز، أخصائية التغذية والرئيسة التنفيذية لشركة EF Myers Consulting، مراجعة لـ 380 دراسة وخلصت إلى أن أربعة أكواب من القهوة يومياً للبالغين، وثلاثة أكواب للنساء الحوامل، لا ينبغي أن تؤدي إلى أي آثار ضارة.
ومع ذلك، تنصح وكالة معايير الغذاء النساء الحوامل والمرضعات بعدم تناول أكثر من كوب إلى كوبين من القهوة يومياً.
وخلصت مراجعة للدراسات السابقة إلى أن النساء الحوامل يجب أن يتوقفن عن تناول القهوة تماماً لتقليل خطر الإجهاض وانخفاض الوزن عند الولادة وولادة جنين ميت.
ووجدت إيميلي أوستر، الخبيرة الاقتصادية ومؤلفة كتاب “نتوقّع الأفضل”، الذي يستكشف البيانات حول توصيات الحمل، أن الإرشادات المتعلقة بالقهوة غير دقيقة.
“إن القلق الأكبر هو احتمال ارتباط استهلاك الكافيين بالإجهاض، وخاصة في الأشهر الثلاثة الأولى”، تقول أوستر.
لكنها تقول إنه توجد الكثير من البيانات العشوائية حول هذا الأمر، واستخلاص النتائج منها ليس موثوقاً به.
وتضيف أوستر أن “النساء اللاتي يشربن القهوة أثناء الحمل من المرجح أن يكن أكبر سناً وأكثر عرضة للتدخين. نحن نعلم أن العمر واستهلاك التبغ مرتبطان سببياً بارتفاع معدلات الإجهاض”.
“المشكلة الثانية هي أن النساء اللاتي يشعرن بالغثيان في بداية الحمل أقل عرضة للإجهاض. كما تتجنب هؤلاء النساء القهوة، فهي من الأشياء التي تزعج إذا كنت تشعر بالغثيان بالفعل، لذا فإن العديد من النساء اللاتي يشعرن بالغثيان ولا يستهلكن القهوة أقل عرضة للإجهاض”.
“تناول من كوبين إلى أربعة أكواب من القهوة يومياً لا يبدو أنه مرتبط بزيادة خطر الإجهاض”، وفق أوستر.
ماذا بشأن إدمان الكافيين؟
بصرف النظر عن التأثيرات المحتملة للقهوة على صحة القلب والسرطان والإجهاض، فهناك أيضاً تأثير على الدماغ والجهاز العصبي. فالكافيين هو عقار ذو تأثير نفسي، ما يعني أنه يؤثر على الإدراك.
بين عموم السكان، يمكن لبعض الناس شرب القهوة المحتوية على الكافيين طوال اليوم، في حين يشعر آخرون بالقلق بعد تناول كوب واحد.
ووجدت الدراسات أن الاختلافات في الجينات يمكن أن تؤثر على كيفية استجابة شخصين للكافيين بشكل مختلف.
لكن مايرز يقول: “نحن لا نفهم لماذا يكون شخص ما على ما يرام تماماً مع مستوى معين من الكافيين بينما لا يكون شخص آخر كذلك”.
أما بالنسبة لشاربي القهوة بشكل منتظم، فنحمل أخباراً سيئة لمن يشرب القهوة بهدف “زيادة التركيز”.
يقول روجرز: “مع اعتياد الجسم على تلقي الكافيين على أساس يومي، تحدث تغييرات فسيولوجية تجعل الجسم يتكيف مع الكافيين مع الحفاظ على الوظيفة الطبيعية. ولا ينتج عن تناول القهوة أي فائدة صافية لقدرتنا على العمل بكفاءة لأننا نصبح متسامحين مع هذا التأثير، ولكن طالما أنك تستمر في استهلاكها، فمن المحتمل أنك لن تكون أسوأ حالاً”.
يقول روجرز إن الأشخاص الوحيدين الذين قد يستفيدون من الكافيين هم أولئك الذين لا يشربونه بانتظام، وفي الطرف الآخر، يسخر كثير من الناس من إدمانهم للقهوة. لكن في معظم الحالات، يعتمد هؤلاء على الكافيين لأداء مهامهم اليومية.
ويضيف: “هناك خطر منخفض للإدمان على الكافيين، فإذا حرمت شخصاً ما منه، فلن يشعر بحالة جيدة ولكنه لن يشتهيه بشدة”.
ويضيف أن القهوة توضح الفرق بين الإدمان الذي يعني وجود إرغام للحصول على المخدر، وبين الاعتماد الذي يقتضي ضعف الأداء الإدراكي للمستخدم، لكنه لا يبذل قصارى جهده للحصول عليه.
يقول روجرز إن “الشيء الوحيد الذي يجب أن ينتبه إليه شاربي القهوة هو أعراض الانسحاب، فأي شخص يشرب بضعة أكواب من القهوة يومياً يعتمد على الكافيين. وإذا حرمته من القهوة، فسيشعر بالتعب وربما يعاني من صداع”.
تعتمد هذه الأعراض على كمية القهوة التي يشربها الشخص، لكنها تستمر عادةً ما بين ثلاثة أيام وأسبوع، كما يقول، وفي هذه الفترة، يكون الكافيين هو الشيء الوحيد الذي يخفف من هذه الأعراض.
هل “نوع” القهوة مهم؟
لا يبدو أن الطريقة التي تحضّر بها القهوة تغير الارتباط بصحة أفضل، سواء كان تحضيرها بحب من الحبة إلى الكوب، أو برمي بعض المسحوق الفوري في الكوب.
ومن خلال دراسة للأشخاص في أوروبا، وجد غونتر أن أنواعاً مختلفة من القهوة لا تزال مرتبطة بفوائد صحية.
يقول غونتر: “شرب الناس قهوة إسبريسو أصغر حجماً في إيطاليا وإسبانيا، وفي شمال أوروبا، شرب الناس كميات أكبر من القهوة والمزيد من القهوة الفورية. نظرنا إلى أنواع مختلفة من القهوة ورأينا نتائج متسقة عبر البلدان، ما يشير إلى أن الأمر لا يتعلق بأنواع القهوة ولكن بشرب القهوة في حد ذاته”.
ومع ذلك، وجد باحثون عام 2018 أن العلاقة بين القهوة وعمر الإنسان كانت أقوى بالنسبة للقهوة المطحونة مقارنة بالقهوة الفورية أو منزوعة الكافيين، على الرغم من أن هذه القهوة لا تزال صحية أكثر من عدم شرب قهوة على الإطلاق.
وذكر البحث أن هذا التناقض قد يكون لأن القهوة الفورية تحتوي على كميات أقل من المركبات النشطة بيولوجياً، بما في ذلك البوليفينول، والمعروفة بخصائصها المضادة للالتهابات.
وجدت دراسة سكانية أجريت عام 2021 أن جميع أنواع القهوة، بما في ذلك منزوعة الكافيين والفورية والمطحونة، مرتبطة بانخفاض خطر الإصابة بأمراض الكبد المزمنة.
ومع ذلك، في دراسة أخرى في 2022، وجد باحثون أن أقوى انخفاض في خطر الوفاة من جميع الأسباب لوحظ مع تناول كوبين إلى ثلاثة أكواب من القهوة منزوعة الكافيين يومياً، في الوقت الذي تعد فيه الأنواع الثلاثة من القهوة مرتبطة جميعاً بمستويات أقل من أمراض القلب والأوعية الدموية والوفاة.
في حين أنه قد لا يساعد في قضاء يوم حافل في العمل، يقول غونتر إن الأدلة المتاحة والمحدثة تشير إلى أن شرب ما يصل إلى أربعة أكواب من القهوة يومياً يمكن أن يكون له فوائد صحية، بما في ذلك انخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والسرطان.
“من المنطقي أن الإفراط في شرب أي شيء ربما لا يكون مفيداً لك، ولكن لا يوجد دليل قوي على أن شرب بضعة أكواب يومياً ضار بالصحة، إذا كان هناك شيء أكثر حقيقة ومنطقية، فهو العكس”، وفق غونتر.
Source link
اضف تعليقك