#تغذية وريجيم
كارمن العسيلي
اليوم
لم يكن «سليم» يعير صحته اهتمامًا كبيرًا، سوى بممارسة بعض التمارين الخفيفة؛ فقد كان يعتقد أن كل ما يحتاج إليه هو القليل من الراحة بين حين وآخر، حتى بدأت تظهر عليه أعراض غريبة، منها: العطش الشديد، وكثرة التبول، والإرهاق المستمر، حتى مع قلة نشاطه، ونقص الوزن رغم زيادة شهيته. في البداية، اعتقد «سليم» أن الإرهاق نتيجة العمل الشديد، وانخفاض الوزن بسبب الحمية الغذائية التي يتبعها. لكنّ الأعراض تفاقمت حتى وصلت إلى الشعور بالوخز في القدمين، وتشوش الرؤية، وبعد إجرائه الفحوص اللازمة، تبيّن أنه مصاب بمرض السكري. شعر «سليم» بصدمة كبيرة: كيف له، وهو الرجل القوي والنشط، أن يصاب بمثل هذا المرض؟.. حالة «سليم» تدعونا إلى إعادة النظر في عاداتنا الصحية، والانتباه إلى أعراض السكري.. ولمعرفة المزيد عن هذا المرض، يقدم لنا الدكتور أسامة بركات، استشاري أمراض السكري والغدد الصماء في مركز برجيل الريم لجراحة اليوم الواحد، شرحًا وافيًا عن مرض السكري، وأنواعه، وأعراضه، وطرق علاجه، وكيفية الوقاية منه.
ماهية «السكري»
في رده على سؤالنا عن ماهية مرض السكري.. يجيب الدكتور بركات، شارحاً: هذا المرض هو اضطراب مزمن، يؤثر في طريقة معالجة الجسم للسكر (الغلوكوز)، المصدر الرئيسي للطاقة. ويضيف: عادة، ينظم هرمون الإنسولين، الذي ينتجه البنكرياس، مستوى السكر في الدم. لكن في حالة مرضى السكري، قد لا ينتج الجسم ما يكفي من الإنسولين، أو أن خلايا الجسم لا تستجيب للإنسولين بشكل صحيح، فيرتفع مستوى السكر في الدم.
هل للسكري أعراض ظاهرة من شأنها أن تنبهنا إلى ضرورة المسارعة في العلاج؟.. يوضح استشاري أمراض السكري والغدد الصماء أن مرض السكري، غالبًا، يُظهر أعراضًا تدريجية، قد يتم تجاهلها في البداية، ومن أهم هذه الأعراض: الشعور بالعطش بشكل مستمر، والحاجة المتكررة للذهاب إلى الحمام، حتى أثناء الليل، وفقدان الوزن غير المبرر، والشعور بالتعب المستمر حتى بعد الراحة الكافية، وصعوبة الرؤية، أو عدم وضوحها، وتأخر التئام الجروح الصغيرة، والإصابة بالتهابات متكررة، مثل: التهابات المسالك البولية، أو الفطريات، والشعور بالتنميل أو الوخز في اليدين والقدمين.
الأسباب.. وعوامل الخطر
ما الأسباب الرئيسية لمرض السكري؟.. يجيب الدكتور أسامة: تلعب الآلية المناعية الذاتية دوراً أساسياً في تطور داء السكري من النمط الأول، حيث يهاجم الجهاز المناعي خلايا «بيتا»، الموجودة في البنكرياس، والمسؤولة عن إنتاج الإنسولين. بينما تشكل الوراثة، ومقاومة الإنسولين، حجر الأساس في تطور النمط الثاني لداء السكري. بالإضافة إلى نمط الحياة الخامل، وغير الصحي، وزيادة الوزن خاصة محيط الخصر، والتدخين. ويتابع الدكتور بركات، موضحاً أن نمط الحياة الخامل غير الصحي، والتدخين، يزيدان تراكم الشحوم و«الجذور الحرة» في الجسم، التي – بدَوْرها – تزيد مقاومة عمل الإنسولين، ما يرفع مستويات السكر في الدم، ويرسم حلقة معيبة، تزيد تراكم الدهون، والإحساس بالجوع، وبالتالي ارتفاع سكر الدم. أما من جهة الوراثة، فوجود السكري من النمط الثاني، لدى أحد الوالدين، يزيد احتمال الإصابة به عند الأبناء بنسبة 40%، وتزداد هذه النسبة بازدياد عدد المصابين في العائلة. أما السكري من النمط الأول، فوراثته تكاد تكون معدومة (نسبة إصابة الأبناء به تراوح بين 2، و6 %).
علاجات السكري
ماذا عن الخيارات المتاحة لعلاج السكري؟.. يقول استشاري أمراض السكري والغدد الصماء: يعتمد العلاج على نوع السكري، ومدى تقدمه، بالإضافة إلى الحالة الصحية العامة للمريض. ويشدد على أن الركن الأساسي في علاج السكري هو اتباع نمط حياة صحي، لكنه يشير إلى وجود خيارات علاجية أخرى، منها: الأدوية الفموية، التي تساعد في خفض مستوى السكر بالدم، والإنسولين الذي يتم حقنه تحت الجلد، وفق جرعة تحدد حسب وزن المريض، والأمراض المرافقة، وجراحات إنقاص الوزن، مثل تكميم المعدة، وبعض المكملات الغذائية، مثل: الكروم، وحمض ألفا ليبويك.
ويلفت الدكتور أسامة إلى أنه، في الفترة الأخيرة، ظهرت خيارات علاجية جديدة، وغير تقليدية، أضافت بُعدًا جديدًا لإدارة المرض، مثل أدوية الـ«GLP-1»، والـ«GIP»، المعروفة بإبر إنقاص الوزن، مثل: المونجارو، والأوزيمبيك. وهذه الأدوية لا تقتصر فاعليتها على إنقاص الوزن، بل تساهم أيضًا في ضبط مستوى السكر بالدم، وتقليل الشهية، وتحسين العديد من العوامل الأخرى المرتبطة بالسكري. ويضيف: التطورات العلاجية مستمرة، فنحن نرى اليوم اهتمامًا كبيرًا بمعالجة مرض السكري بشكل شامل، وبات الأطباء يولون اهتمامًا كبيرًا لضبط عوامل أخرى، مثل: حمض البول، وفيتامين (د)، والشحوم والكوليسترول، كونها تساهم – بشكل كبير – في تطور مضاعفات السكري.
سمعنا عن العلاج بالخلايا الجذعية، الذي يمكنه أن يشفي من مرض السكري، ما مدى فاعلية هذا العلاج؟.. يعتبر الدكتور أسامة أن الأبحاث المتعلقة بالخلايا الجذعية واعدة جداً، وقد أحدثت ثورة في عالم الطب، وأعطت الأمل لكثير من مرضى السكري. لكن لا يمكن القول، حتى الآن، بأننا أمام علاج شافٍ للمرض؛ فهذه الأبحاث لا تزال في مراحلها الأولية، وتحتاج إلى مزيد من الدراسات السريرية؛ لتأكيد فاعليتها، وسلامتها على المدى الطويل.
أسس الوقاية
كيف نحمي أنفسنا، وأسرنا، من الإصابة بمرض السكري؟.. يرى الدكتور أسامة أنه، رغم تهديد مرض السكري لصحة الملايين حول العالم، إلا أننا نمتلك القدرة على الوقاية منه، باتباع بعض العادات الصحية البسيطة، منها:
أولاً: الفحص المبكر، أو الكشف المبكر، فهو بمثابة نقطة التحول في إدارة المرض، وله دور حيوي في الوقاية من السكري، خاصة للذين لديهم تاريخ عائلي بالمرض، أو النساء اللاتي أصبن بسكري الحمل.
ثانيًا: نمط الحياة الصحي، الذي يعتبر سلاحنا الأول في مواجهة المرض. ويشرح الدكتور أسامة: التغذية السليمة والرياضة تعملان معاً؛ لتحقيق التوازن في مستوى السكر بالدم، وتحسين صحة القلب والأوعية الدموية، وتعزيز الصحة العامة للمريض. ومن خلال اختيار الأطعمة الصحية، والابتعاد عن تلك التي تحتوي على نسبة عالية من السكريات والدهون المشبعة، يمكن للمريض السيطرة على ارتفاع السكر في الدم، وتقليل الحاجة إلى الأدوية. كما أن الرياضة تساهم – بشكل كبير – في تحسين حساسية الجسم للإنسولين، وحرق السعرات الحرارية الزائدة، وبالتالي فقدان الوزن الزائد، الذي يعد عامل خطر كبيراً للإصابة بالسكري.
مفاهيم خاطئة
في النهاية، ينبه الدكتور أسامة بركات إلى وجود مفاهيم خاطئة حول مرض السكري، وجب توضيحها. وفي هذا الشأن، يقول: أكثر ما يدهشني هو الاعتقاد السائد بأن السكري مرض يأتي ويذهب من تلقاء نفسه! وهذا الاعتقاد الخاطئ يجعل الكثيرين يتهاونون في علاجه، ويظنون أنه سيختفي مع الوقت. ومن المفاهيم الخاطئة، أيضاً، فكرة أن الشخص يمكن أن يعاني ارتفاع السكر دون أن يكون مصابًا بالسكري، ما يؤخر التشخيص والعلاج، ويزيد خطر الإصابة بالمضاعفات. كذلك، يعتقد بعض الأشخاص الذين يرتفع لديهم مستوى السكر في الدم، عند الغضب فقط، أنه لا داعي لأخذ الدواء، وهذه فكرة خطيرة للغاية. ومن المفاهيم الخاطئة الشائعة الأخرى، كذلك، اعتقاد أن المصابين بالسكري عاجزون عن الزواج، وإنجاب الأطفال، وهذا غير صحيح تمامًا. أما أكثر المفاهيم الخاطئة شيوعاً، فهو أن العسل والتمر لا يحتويان على نسبة عالية من السكريات، وبالتالي لا يؤثران في مستوى السكر بالدم.
وأخيرًا، من المهم تأكيد أن كل مريض سكري حالة خاصة، ولا يمكن تطبيق خطة العلاج نفسها على جميع المرضى، فلا يمكن لمريضٍ تناول دواء مريض آخر، أي ما يناسب صديقك قد لا يناسبك؛ لذلك تجب مرض استشارة الطبيب؛ لتحديد خطة العلاج المناسبة.
5 أسئلة.. وأجوبة
1 . هل مقاومة الإنسولين هي نفسها مرض السكري؟
مقاومة الإنسولين مرحلة سابقة للسكري، وهي بمثابة إنذار مبكر يدعونا إلى العناية بصحتنا، قبل تفاقم المشكلة. وللسيطرة عليها – في بدايتها – دور كبير في الوقاية من تطور داء السكري، خاصة أن لها علامات صارخة كـ«الشواك الأسود» (حالة تتسبب في تلون طيات الجسم وتجاعيده باللون الأسود)، وزيادة محيط الخصر. ويمكن كشفها بفحوص مخبرية معينة.
2 . ما المضاعفات، التي يعانيها المصاب بالسكري؛ إذا لم تتم السيطرة على المرض، بشكل جيد؟
من أبرز المضاعفات، التي تهدد مرضى السكري غير المنضبط:
• أمراض القلب، والأوعية الدموية.
• أمراض الكلى، مثل: الفشل الكلوي المزمن، وحاجة المريض إلى غسيل الكلى.
• أمراض العيون: يسبب السكري تلفًا في الأوعية الدموية الصغيرة بالعين، ما قد يؤدي إلى فقدان البصر.
• اعتلال الأعصاب: يؤثر السكري في الأعصاب، ما يسبب تنميلًا وخدرًا وألمًا في الأطراف، خاصة القدمين.
• جروح القدم السكرية.
• إنتان الجروح أو تأخر اندمالها، خاصة بعد العمليات الجراحية.
• الحماض الكيتوني السكري، خاصة لدى مرضى السكري من النمط الأول.
3 . ما أنواع مرض السكري؟
هناك ثلاثة أنواع رئيسية، هي:
• النمط الأول: يشكل حوالي 5-10 % من حالات السكري، وغالباً يشخص في مرحلة الطفولة، أو المراهقة.
• النمط الثاني: وهو الأكثر شيوعاً.
• سكري الحمل: يتطور أثناء الحمل، ويمكن أن يسبب مضاعفات خطيرة لدى الأم والجنين. وغالباً يتراجع بعد الولادة، لكن يمكن أن يستمر في شكل السكري من النمط الثاني.
4 . كيف يتم تشخيص مرض السكري؟
يتم إجراء فحص شامل للمريض، وسؤاله عن تاريخه المرضي، وأعراضه، ثم يطلب الطبيب بعض الفحوص المعملية لتأكيد التشخيص، من أهمها: فحص السكر الصيامي، واختبار تحمل الغلوكوز عن طريق الفم؛ لقياس مستوى السكر في الدم، بعد تناول محلول سكر مركز، وفحص الهيموجلوبين السكري، وفحوص بول؛ للكشف عن وجود السكر، أو البروتين في البول، وفحوص أخرى، مثل: فحص وظائف الكلى، وفحص النظر، وفحص الأعصاب؛ لتقييم مدى تأثير السكري في الجسم.
5 . من الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بمرض السكري؟
هناك عوامل عدة، تزيد خطر الإصابة بمرض السكري من النمط الثاني، وتشمل:
• الذين لديهم تاريخ عائلي بالسكري من النمط الثاني.
• الذين يعانون زيادة الوزن، خاصة مَنْ مؤشر كتلة الجسم لديهم فوق الـ25.
• الذين لا يمارسون الرياضة بانتظام.
• السيدات اللاتي أصبن بسكري الحمل، أكثر عرضة للإصابة بالسكري من النوع الثاني لاحقًا.
• الذين يتناولون أدوية، مثل مركبات الكورتيزون، إما بجرعة عالية، أو لفترة طويلة.
Source link
اضف تعليقك