صفية المسكري: نبني من ذاكرة الوطن جسراً يربط الأجيال
#منوعات
ياسمين العطار
اليوم 13:29
حين تتحول الصور القديمة إلى جسور نحو الحاضر، وتصبح القصص الشفاهية وثائق حية لا يطالها النسيان، تكون هناك أيادٍ خلف الكواليس، تحفظ الملامح، وتصون الذاكرة. من قلب هذا الشغف، ولدت مبادرة «لئلا ننسى»، التي تحولت من مشروع جامعي إلى منصة وطنية، تُعنى بتوثيق الذاكرة الشفاهية والمادية لدولة الإمارات، وتعيد تقديمها بروح فنية معاصرة. خلف هذه الرحلة، تقف صفية المسكري، المديرة وإحدى العضوات المؤسسات، التي حولت – مع فريق نسائي بالكامل – الصور والقصص إلى أرشيف نابض بالحياة، يحفظ الهوية، ويعكس روح المكان والزمان.. في هذا الحوار مع «زهرة الخليج»، نرافق صفية المسكري في رحلة عبر الذاكرة؛ لنكشف كيف تُبنى السردية الوطنية من أصوات الناس وصورهم، وكيف يمكن للحكاية أن تعيش جيلاً بعد جيل:
كيف تَشَكَّلَ شغفك بتوثيق الذاكرة الشفاهية؟
اللحظة الأولى، التي شعرت فيها بأهمية التوثيق، كانت عندما شاركت في مشروع جامعي بصور عائلتي الخاصة، وقصصها التي خُلدت في كتب ستبقى لأجيال قادمة، تُبرز لحظاتٍ مهمةً من التاريخ الإماراتي، وتبقى ذاكرة حية في المستقبل. بدأت علاقتي مع الصور؛ عندما كنت صغيرة حيث اعتدت الذهاب إلى منزل عمي، الذي كان ملماً بالتصوير والتوثيق. وكنت أستمتع بالاطلاع على ألبوماته، وتخيل طبيعة الحياة في الماضي.
-

صفية المسكري: نبني من ذاكرة الوطن جسراً يربط الأجيال
نقطة تحول
حدثينا عن مبادرة «لئلا ننسى»!
بدأت «المبادرة» كفصل دراسي، ضمن مقرر في الممارسات القِيَمية بجامعة زايد أبوظبي، حيث طُلب من الطالبات جمع ومشاركة صور عائلية، وقصص شخصية عن عائلاتهن. نقطة التحول؛ كانت عندما أحضرت الشيخة مريم بنت سلطان بن زايد آل نهيان ألبوماً عائلياً يوثق رحلة صيد في أفريقيا، لوالدها، رحمه الله، ويحمل عنوان: «لئلا ننسى، زيارة الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، 1974»؛ فألهم ذلك بقية الطالبات إحضار المزيد من الصور والقصص. خلال وقت قصير، جمعنا نحو 200 صورة وقصة، عرضت لأول مرة في معرض طلابي. حاز المشروع إعجاب ودعم مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان، وفي عام 2014 أصبح مبادرة رسمية، تحت مظلة «المؤسسة». ومنذ ذلك الحين، يعمل فريق «لئلا ننسى» على توثيق الذاكرة المادية والمعنوية والشفاهية للمجتمع الإماراتي، إلى جانب أولئك الذين عاشوا في الإمارات، واعتبروها وطناً لهم.
«لئلا ننسى».. إلى أي مدى تعتقدين أن مبادرات، كهذه، تساهم في بناء سردية وطنية إماراتية، يرويها الناس بأنفسهم؟
أهمية هذه المبادرات تكمن في أمرَيْن: أولاً، ضمان أن تُروى قصة الإمارات وتُبرز هويتها من منظور أبنائها، لا من زاوية خارجية، بحيث يضطلع المجتمع الإماراتي بمسؤولية تقديم ثقافته الأصيلة وبناء سردية وطنية صحيحة.
ثانياً، إسهام هذه المبادرات في تحفيز المجتمع على التوثيق والمشاركة، وخلق منصة تُجسّد هذه الإسهامات وتُخلّدها للأجيال القادمة.
هل هناك ذكرى، أو قصة، جمعتموها، وتركت أثراً شخصياً في نفسكِ، ولماذا؟
أتذكر عندما التقينا أحد كبار المواطنين، وكان يمتهن الغوص وصيد السمك منذ القدم، فَذَكَر أن من عاداتهم القديمة عدم الإسراف في الصيد، ودائماً كانوا يحترمون حقوق الغير في الصيد من البحر، رغم سعته وغناه، وكيف أثرت هذه العادات والتقاليد فيهم، وأيضاً التعاليم الدينية، حيث كانت – ولا تزال – هذه العوامل مرجعاً دائماً لإدارة حياتهم اليومية. والجميل في الموضوع أن المجتمع كان، دائماً، يتقيد بهذه العادات، ويلتزم بها، ويحترم جيرانه ومجتمعه، ولا يتعدى على حقوقهم، بل كانوا يساعدون بعضهم على مصاعب الحياة.
مسؤولية.. وأثر
كيف تلمسين أثر هذه القصص، والصور، في الأجيال الجديدة؟
من خلال معارضنا وكتبنا والأفلام التي أنتجناها بطريقة تناسب ذوق الأجيال كافة، خاصةً الجيل الأصغر، ومن خلال شرحها لهم، وإبراز أهمية الدور الذي نقوم به، وأثره في تاريخ الإمارات، وما يمكن أن يضيفوه لإكمال هذه المسيرة؛ لاحظنا كيف حفزتهم وأشعرتهم بمسؤولية الحفاظ على الهوية، وتوثيق قصص أفراد عائلاتهم، خاصة كبار المواطنين. وجاءنا الكثير من الأطفال، الذين تأثروا بهذا الأمر، وبدؤوا توثيق قصص أفراد عائلتهم، وشاركونا إياها.
ما الذي تعلمتِهِ من كبار المواطنين، الذين تلتقين معهم خلال التوثيق؟
تعلمت منهم الكثير، مثل: عزمهم وقوتهم وصمودهم وقناعتهم، وحبهم للأرض والوطن. كما أعجبت بمدى تسامحهم، وتواضعهم وانفتاحهم على الغير. وقد غيرت هذه المفاهيم نظرتي إلى كل التفاصيل المحيطة، حيث أراها بمنظور أعمق، وأفهم جوانبها الخفية بشكل أوضح، ومن خلال الذكريات التي سمعتها تتجذر معانٍ أعمق لنواحي الثقافة والتراث كافة.
كيف ترين مستقبل الأرشفة الشفاهية والقصصية في ظل التحولات الرقمية، وهل تخططون لاستخدام تقنيات جديدة في تقديم محتواكم؟
خلال السنوات، لاحظت تأثر الكثير من المبادرات والأفراد بما نقوم به. وتسعدني رؤية الكثيرين من الشباب يوظفون التقنيات الحديثة، ووسائل التواصل الاجتماعي؛ لتوثيق الكثير من قصص ومظاهر المجتمع الإماراتي، وإبرازها بشكل يجذب الأطياف كافة، للقيام بمثل ذلك. دائماً كانت مبادرة «لئلا ننسى» سباقة إلى استخدام التقنيات الحديثة، ولا زلنا نواكب كل جديد؛ للتواصل مع الجيل الأصغر، وجذبه.
-

صفية المسكري: نبني من ذاكرة الوطن جسراً يربط الأجيال
فريق «لئلا ننسى» يتكون من النساء فقط.. كيف أثر هذا في التعامل مع القصص، والذاكرة؟
فريقنا المكون من نساء فقط سهل علينا دخول الكثير من بيوت العائلات الإماراتية، والحديث بأريحية، وكان سبباً في تكوين علاقات ذات طابع أسري، وكلها مودة واحترام. المرأة الإماراتية لها تاريخ – منذ القِدَم – في سرد القصص، وحفظها وغرسها في نفوس النشء، وكانت – ولا تزال – هذه الميزة أداة تربية وتحفيز للأبناء. وحتى الآن المرأة الإماراتية ما زالت تقوم بهذا الدور، في المنزل والعمل.
ما الحلم الذي تطمحين إلى تحقيقه مع «لئلا ننسى»، خلال السنوات القادمة؟
أتمنى أن تمتد مبادرتنا إلى الإمارات كافة، وأن يشجع تأثيرها الأفراد على توثيق قصص وتجارب؛ تشمل تضاريس الإمارات المختلفة، وعاداتها، وتاريخها، حتى تكون صورة شاملة لقصة الإمارات.
في عيد الاتحاد الـ54.. كيف تستحضرين هذه المناسبة خلال عملك في «لئلا ننسى»، وما الذي تعنيه لكِ في سياق حفظ الذاكرة الوطنية؟
عيد الاتحاد يمثل لي احتفاءً بالذاكرة، التي نحملها جميعاً، تلك التي نحرص في «لئلا ننسى» على صَوْنها؛ لتبقى حاضرة في وجدان الأجيال القادمة. إن كل صورة نحفظها، وكل قصة نوثقها، جزء من هذا الاتحاد، الذي جمع القلوب قبل الجغرافيا. هذه المناسبة تذكرني، دائماً، بأن ما نقوم به ليس مجرد عمل توثيقي، بل رسالة حب ووفاء لوطن صنع تاريخه بأيدي أبنائه وبناته، وواصل مسيرته بهويتهم الأصيلة، وروحهم المتجذرة في الأرض، والذاكرة!
Source link






اضف تعليقك