«جذور التكوين» من سيندي تشاو.. ولادة جديدة في عالم المجوهرات الفنية

«جذور التكوين» من سيندي تشاو.. ولادة جديدة في عالم المجوهرات الفنية

#مجوهرات وساعات

غانيا عزام
اليوم

كلَّ عام، تعيد سيندي تشاو Cindy Chao صياغة مفهوم المجوهرات؛ بوصفها فناً قائماً بحد ذاته. وفي 2025، ترتقي الفنانة التايوانية برؤيتها إلى مستوى جديد، كاشفةً عن تحفٍ تتجاوز حدود الخيال والحرفة؛ لتلامس جوهر الطبيعة ذاتها. فمن خلال تحفتها الفنية «جذور التكوين» (Black Label Masterpiece II – Roots of Genesis)، وإصداراتها الجديدة من بروشات «الفصول الأربعة»، تقدّم تشاو أعمالاً تمجّد دورة الحياة، وتجسد الحوار الخفي بين الضوء والمادة. هنا، تتحول الأحجار إلى نبض، والتيتانيوم إلى خفة، واللون إلى لغة؛ لتُولَدَ مجوهراتٌ تُدْهش العين بقدر ما تثير الفكر، وتوقظ الشعور.

«من أوراق الطبيعة الساقطة تولد البدايات»:

في هذا العمل، تستعيد تشاو لحظة شاعرية، هي رؤية ورقة تهوي إلى الأرض، لكن من حافتها تنبثق براعم خضراء صغيرة. هذه المفارقة، بين الفناء والنمو، تتحول في يد الفنانة إلى استعارة بصرية، تعكس إيقاع الحياة الأزلي.

هندسة الضوء.. ولغته

يُرصّع هذا العمل الاستثنائي بـ4,040 قطعة من الأحجار الكريمة، بوزن إجمالي يصل إلى 105.02 قراريط، وتتنوّع بين الألماس الأبيض، والزمرد، والألماس الأصفر، والتسافوريت، والياقوت الأخضر الرمادي، والديمانتويد، وغيرها، ضمن هيكل من التيتانيوم، وقرن طبيعي، وذهب أبيض وأصفر. واختارت تشاو أكثر من 20 درجة من الأخضر بين الزمرد والتسافوريت، مقابل بريق الألماس الأبيض. والأبيض يرمز إلى ما انقضى، والأخضر يرمز إلى ولادة جديدة. وبفضل ضبط زوايا الترصيع بدقة معمارية، يتوازن اللون والضوء في تكوين واحد نابض بالحياة، حيث تظل القطعة ثابتة، لكنها تبدو كأنها تتحرك بوهن لطيف.

علم.. وشعر

يعكس العمل فهماً عميقاً للفوارق المادية بين الأحجار، منها: صلابة الألماس، وقابلية الزمرد للكسر. لكن عبر التعاون مع حرفيين أوروبيين يملكون خبرة تجاوزت الـ20 عاماً بالتيتانيوم، نجحت تشاو في ابتكار بنية مرنة، تحتضن كلا الحجرين بتناغم تام. فقطرات الزمرد مصممة لتتحرك بخفة؛ فتبدو كأنها تنبض مثل خضرة تنمو من جديد. أما الساق المنحوتة من القرن الطبيعي، المستوحاة من نموذج الشمع الأولي، الذي نحتته تشاو بيدها، فتمنح القطعة دفئاً عضوياً، يوثق ارتباط الفنانة بالطبيعة كمنبع حياة وفن.

كنوز لا تتكرر

تقول سيندي تشاو: «تشكّل الهندسة رؤيتي منذ الصغر؛ فقد علمني جدي المعماري أن أفهم الفضاء بـ360 درجة. ومعظم مجوهراتي أعمال معمارية ونحتية صغيرة». وتضيف: «(Roots of Genesis) مثال على التوازن بين العلم والفن، بأكثر من 4000 حجر مع وزن لا يتجاوز الـ80 غراماً. إنه اندماج بين الخيال، والدقة العلمية؛ ولأن كل (Black Label Masterpiece) يحتاج إلى أكثر من 10,000 ساعة عمل، لم يتم إصدار سوى قطعتين فقط عام 2025، ما يجعلها أشبه بكنوز لا تتكرر».

بروشات «الفصول الأربعة»

إلى جانب تحفتها الجديدة، تكشف تشاو عن فصل جديد من مجموعتها الأيقونية «الفصول الأربعة». فتعود الفنانة إلى رمز لطالما شكّل حجر الأساس لمسيرتها (الغصن). غير أن العودة، هنا، ليست تكراراً، بل إعادة قراءة ناضجة للنمط نفسه، بروح أكثر حريةً وانسياباً. في هذه البروشات، تنساب الخطوط، كما لو كانت أغصاناً حقيقية تمتد نحو الشمس. وبمنحنيات رشيقة، وفراغات محسوبة، وأحجار مختارة بعناية فائقة، تجعل الضوء يَعْبُرُ بينها كأنه يتسرب بين أوراق شجر حقيقية، إنها أعمال تحمل قوة الطبيعة، لكنها تقدمها بجمالية متقشفة، وراقية.

تاريخ من الإلهام 

بدأت قصة «الفصول الأربعة» عام 2007، مع قطعة الشتاء، من الألماس الأبيض والأسود، التي بيعت لاحقاً في مزاد كريستيز نيويورك بثلاثة أضعاف قيمتها التقديرية، مثبتةً حضور الدار على الساحة العالمية. واليوم، تعود تشاو؛ لتطور هذا الإرث، مطلقةً نسخاً تتدرج من خُضرة الربيع إلى ذهب الخريف، في لوحة لونية، تُفهم بالحس أكثر من العقل.

ولا تتعامل الفنانة مع الفصول كدورة زمنية، بل كحالة شعورية، وحركة صامتة داخل الزمن.. ألوان تتغير، لا لأن الفصل تغيّر، بل لأن الحياة تغيّرت.