OnNEWS

«العلاقات غير الصحية» استنزاف صامت لطاقة المرأة


«العلاقات غير الصحية» استنزاف صامت لطاقة المرأة

#تنمية ذاتية

بداخل كل امرأة مساحة خفية، تقيس فيها العلاقات لا بعدد اللحظات الجميلة، بل بكمّ الهدوء الذي تتركه خلفها. فالعلاقة التي تُطفئ النفس لا تحتاج إلى صراخٍ، أو خيانةٍ؛ لتُؤذي؛ فيكفي أن تُثقل القلب بصمت، وأن تُربك الروح كلما حاولت الاتزان. وكم من امرأةٍ تظهر متماسكة، لكنها – في داخلها – تصارع استنزافًا خفياً، ليس من العمل أو المسؤوليات، بل من علاقات لم تعد تُشبهها.. في هذا الملف، نناقش مع الأخصائية النفسية الإكلينيكية، بشرى الزبيدي، كيف تستنزف العلاقات غير الصحية طاقة المرأة، وما الذي يجعلها تُرهق عاطفياً حتى في صمتها، وكيف يمكنها استعادة توازنها وحدودها، دون شعورٍ بالذنب؛ لفهم ما يحدث حين يُثقل الحبُّ النفسَ أكثر مما يُنيرها.

  • «العلاقات غير الصحية» استنزاف صامت لطاقة المرأة
    «العلاقات غير الصحية» استنزاف صامت لطاقة المرأة

عاطفة لا تهدأ

تقول الدكتورة بشرى الزبيدي: إن المرأة لا تُرهقها العلاقة بقدر ما تُرهقها تفاصيلها؛ فهي تلتقط تغيّر النبرة، وتبدّل النظرة، وذبذبات المزاج.. تلك الإشارات الصغيرة، التي قد تمرّ على الرجل مرورًا عابرًا، لكنها، في المقابل، تهزّ عالمها الداخلي بقوة، وبحسب الدراسات العصبية الحديثة، فإن دماغ المرأة يعمل بطاقة أعلى في مناطق التعاطف والاستجابة العاطفية، ما يجعلها تعيش العلاقة بجميع تفاصيلها، وبكل طبقاتها الدقيقة. بينما يميل الرجل إلى التعامل مع الصورة الكبرى بعقلانية مباشرة. وتضيف الزبيدي: «المرأة لا تستنزفها العلاقة بحد ذاتها، بل اللحظات الصغيرة التي لا يلاحظها أحد. فهذه الحساسية تجعلها أكثر وعيًا، لكنها أيضًا تجعلها أكثر عُرضة للإنهاك؛ حين يختل التوازن العاطفي، ويفقد الحب توازنه».

حين تُطفئ العلاقةُ طاقتنا

تؤكد الأخصائية النفسية الإكلينيكية أن العلاقات غير الصحية ليست – بالضرورة – تلك التي تكثر فيها الخلافات، أو الصراخ، بل هي تلك التي تُطفئنا بصمت. وتشير الزبيدي إلى أن الاستنزاف الحقيقي لا يبرز، عادة، بوضوح وصوت عالٍ؛ بل يتسلّل بهدوء، فيسحب من المرأة نورها، قطعةً بعد أخرى. فالعلاقة المرهقة لا تُفقد المرأةَ طاقتها دفعة واحدة، بل تُنهكها بطريقة تجعلها تبدأ بالشك في نفسها أولًا، قبل العلاقة. فتبدأ بالتبرير، وبالتنازل، وبإسكات حدسها.. حتى تنسى شكلها الأصلي. وتضيف: «أخطر العلاقات ليست تلك التي تجرحنا بقسوة، بل تلك التي تُربكنا برفق.. فلا نعرف فيها أين فقدنا قوتنا». وتوضح أن علامات الانطفاء تظهر في الروح قبل الجسد: في انعدام الشغف، والثقل غير المفهوم، والإحساس الدائم بأن شيئًا ما غير مُريح.. هو شيء مزعج، لكنه غير واضح بما يكفي لتسميته.. وتختصر الزبيدي ذلك بقول: «العلاقة التي لا تمنحك مساحة لتكوني نفسك؛ستأخذ منك أكثر مما تعطيك. وحين تبدأ طاقتك في الذبول، فاعلمي أن قلبك يطلب الحماية، لا التحمّل». 

الحدود.. درع الحماية

وعن العلاقة بين ضعف الحدود الشخصية، واستنزاف الطاقة في العلاقات، تشبّه الزبيدي الحدود الشخصية بالحارس الذي يقي النفس التعدي، موضحةً أن وجودها لا يعني القسوة، بل الوعيَّ بالقيمة الذاتية.. وتبين: «حين تخجل المرأة من قول: (لا)، أو تخشى الرفض، تفقد شيئاً من قدرتها على حماية نفسها، ليس لأنها ضعيفة، بل لأنها تعلمت أن تضع الجميع قبل ذاتها». وترى أن تجاوز الحدود الصغيرة، بشكل متكرر، يؤدي إلى تعبٍ عاطفي متراكم، يُترجم لاحقاً إلى إرهاق داخلي لا يُعرف مصدره؛ لأنه حصيلة اللحظات التي لم تَمْنَح فيها المرأةُ نفسَها حقّ الحماية والراحة.

الجسد لا يكذب

فهل يمكن للمرأة أن تدرك – مبكراً – أن علاقتها تستنزفها، قبل أن تصل إلى مرحلة الإنهاك النفسي؟.. تلفت الأخصائية النفسية الإكلينيكية إلى أن الجسد يحمل ذاكرة التجارب العاطفية جميعها، وأنه يرسل إشارات التحذير؛ عندما تُنهك العلاقة صاحبتها.. وتوضح: «الإرهاق الغامض بعد اللقاء، والأرق، وفقدان الشغف، والرغبة في العزلة، كلها لغة الجسد التي تبين أن شيئًا ما، لم يعد يشبهك». وتضيف: «حين تُصغي المرأة إلى هذه الهمسات المبكرة، يمكنها حماية نفسها، قبل أن يبهت نورها الداخلي».

  • «العلاقات غير الصحية» استنزاف صامت لطاقة المرأة
    «العلاقات غير الصحية» استنزاف صامت لطاقة المرأة

متى يصبح الأمان عبئاً؟

فمتى تتحول الصداقة إلى علاقة تستنزف المشاعر، بدلاً من دعمها؟.. تقول الأخصائية النفسية الإكلينيكية: إن الصداقة الحقيقية مساحة دعمٍ متبادلٍ، وراحة نفسية، لكنها تصبح علاقة مؤذية؛ عندما تُصبح أحادية الاتجاه. «الصديقة الجيدة، التي تمر بمرحلة صعبة، تستقبل الدعم بامتنان، وتسعى إلى التغيير. أما الصديقة السامة؛ فتجعل مِن الآخرين محطة دائمة لتفريغ شكواها، دون نية للتطور». وتشدد الزبيدي على أن الانسحاب من الصداقات المؤذية لا يعني القسوة، بل عودة إلى الذات بعد إهمال طويل. «حين تختار المرأة راحتها دون اعتذار، تدرك أن الانسحاب ليس أنانية، بل أسمى أشكال احترام الذات».. تقول بثقة.

بريق يُخفي الوجع

وحول مَيْل بعض النساء إلى الارتباط بشركاء ذوي «سمات نرجسية»، رغم ما يسببونه من ألم نفسي.. تقول الزبيدي: إن «الشخص النرجسي» ممثّل بارع، يتغذّى على ضعف الآخرين.. فـ«يبدأ بالعطاء المفرط، والاهتمام الزائد؛ ليصنع صورة مثالية عن نفسه، ثم يستخدم القرب، لاحقًا؛ لإضعاف ثقة المرأة بذاتها، وإيهامها بأن قيمتها مرهونة برضاه». وتضيف: أن ما يجذب النساء إلى «النرجسي» ليس شخصه، بل الفراغ الذي يُتقن اللعب عليه، وتوضح: «حين تعاني المرأة هشاشة داخلية، أو نقصاً في التقدير، يجد طريقه – بسهولة – إلى داخلها. لكنّ لحظة وعيها بهذا النمط تكفي ليفقد بريقه تماماً». وتحذر من آثار «العلاقة النرجسية»، التي تصفها بأنها «استنزاف متدرج للذات».. فتقول: «يتآكل احترام المرأة لذاتها، ويختلّ تقييمها للواقع، وتَضْعُفُ حدودها النفسية، وتعيش توتراً مزمناً يُشبه الصدمة. ومع الوقت، تفقد بوصلتها؛ حتى تعتقد أن وجودها مشروط به». وتضيف: «لكن ما إن تبدأ رحلة الوعي والتعافي، تكتشف أن قوتها لم تَغِبْ يوماً، بل كانت في أعماقها تنتظر أن تُستعاد».

اختناق الحب

كيف يمكن للأسرة أن تكون مصدر ضغط، رغم الحب؟.. ترى الأخصائية النفسية الإكلينيكية أن الأسرة قد تتحول، أحياناً ودون قصد، إلى مصدر ضغط نفسي، حين يتحول الحرص إلى سيطرة، والنيات الحسنة إلى تقييد. «في بعض البيوت، يُقاس البرّ بمدى الطاعة لا بسلام النفس؛ فتعيش المرأة بين حبّها لعائلتها، ورغبتها في حريتها»، تقول الزبيدي. وتوضح أن التوقعات العالية تُضعف التوازن النفسي؛ لأنها تزرع داخل المرأة شعورًا دائماً بالاختبار والقلق، وتجعلها تقيس قيمتها برضا الآخرين، وليس بشعورها بذاتها. وتضيف: «حين تتعلم المرأة أن تتعامل مع أسرتها من مساحة احترام لا خوف، تستطيع أن تعبر عن حاجتها للهدوء بثبات لا اعتذار فيه، وتضع حدودها بهدوء يطمئنها قبل أن يطمئن الآخرين.. عندها فقط تعيد تعريف العلاقة، وتستعيد سلامها الداخلي».

  • «العلاقات غير الصحية» استنزاف صامت لطاقة المرأة
    «العلاقات غير الصحية» استنزاف صامت لطاقة المرأة

الإنصات للجسد

تؤكد الدكتورة بشرى الزبيدي أن الإنصات للجسد ليس رفاهية، بل ضرورة تحمي المرأة من الانهيار الصامت، الذي يبدأ نفسيًا، وينتهي جسديًا.. وتقول: «عدد كبير من النساء، اللاتي أقابلهن بشكل دوري، يُحمّلن أجسادهن ما لا تحتمل، متجاهلات العلامات المبكرة للتعب النفسي، إلى أن تتحوّل هذه الإشارات – في كثير من الأحيان – إلى اضطرابات وآلام جسدية حقيقية». وكمثال على ذلك، تشير إلى «اضطراب الفيبروميالغيا» (Fibromyalgia)، وهو اضطراب معقّد، يرتبط بزيادة حساسية الجهاز العصبي للألم، وينشأ، أحيانًا، بعد فترات طويلة من الضغط العاطفي، أو الإجهاد المزمن، وإهمال احتياجات الجسد.. وتضيف: «هناك العديد من الدراسات، التي تؤكد ارتباط هذا الاضطراب بالعوامل النفسية، حيث تظهر أعراضه على هيئة ألمٍ منتشر، يستمر لأكثر من ثلاثة أشهر، وإرهاقٍ لا يزول بالنوم، واضطرابات في الذاكرة والتركيز، وحساسية مفرطة تجاه الضوء والضوضاء والحرارة، إضافةً إلى صداعٍ متكرر، واضطرابات هضمية، وتنميلٍ في الأطراف، وغالبًا يصاحبه قلق، أو اكتئاب، كنتيجةٍ طبيعية لإجهاد الجسد، واستنزافه». وتقول: «تجاهل التعب النفسي، وتبريره، لا يمرّان بسلام؛ فالجسد يسمع كل ما نحاول إسكاتَه، ويسجّله بطريقته الخاصة. والإصغاء إلى رسائل الجسد – من ألمٍ، وثقلٍ وإنهاك – هو الخطوة الأولى لحماية سلامته، وتدارك الأمور قبل أن تتفاقم».

استعادة الضوء

تختم الدكتورة بشرى الزبيدي، الأخصائية النفسية الإكلينيكية، حديثها بالقول: «العلاقات الصحية لا تُرهقنا، بل تُنعشنا. وأول خطوة لحماية طاقتنا العاطفية، هي أن نعيد بناء العلاقة الأهم: (علاقتنا بأنفسنا)؛ بأن نمنح أنفسنا إذنًا بالتعب، والابتعاد، والهدوء. ومع الوقت، سنتعلم التمييز بين مَنْ يوقظ الحياة فينا، ومَنْ يطفئها». وتضيف (بابتسامة): «القلب لا يحتاج إلى أن يكون قويًا دائمًا، فيكفي أن يكون صادقًا مع نفسه. وحين تختارين ذاتك أولاً، لن تخسري أحدًا، بل ستجدين نفسك بعد فقدانها!».


Source link

اضف تعليقك

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.